وفي هذه السنة ابن عباس زيادا عن أمر رضي الله عنه إلى علي فارس وجه
وذلك أنه لما قتل ابن الحضرمي اختلف الناس على رضي الله عنه ، وطمع علي أهل فارس وأهل كرمان ، فغلب أهل كل ناحية على ما يليهم وأخرجوا عمالهم ، فاستشار رضي الله عنه في رجل يوليه علي فارس حين امتنعوا من [أداء] الخراج ، فقال له جارية بن قدامة: ألا أدلك يا أمير المؤمنين على رجل صليب الرأي ، عالم بالسياسة ، كاف لما ولي؟ قال: من هو؟ قال: زياد ، قال: هو لها ، فولاه فارس وكرمان ، ووجهه في أربعة آلاف ، فدوخ تلك البلاد حتى استقاموا وأدوا الخراج .
فقال أهل فارس : ما رأينا سيرة أشبه بسيرة كسرى أنوشروان من سيرة هذا العربي في اللين والمداراة والعلم بما يأتي . وذلك أنه لما قدم فارس بعث إلى رؤسائها فوعد من نصره ومناهم ، وخوف قوما وتوعدهم ، وضرب بعضهم ببعض ، ودل بعضهم على عورة بعض ، فهربت طائفة وأقامت طائفة ، وقتل بعضهم بعضا ، وصفت له فارس ، فلم يلق [ ص: 160 ] فيها حربا ، وفعل مثل ذلك بكرمان ، ثم رجع إلى فارس ، فسار في كورها ومناهم فسكن الناس إلى ذلك ، واستقامت له البلاد ، وأتى إصطخر فنزلها وحصن قلعتها ، وحمل إليها الأموال فكانت تسمى قلعة زياد ، ثم تحصن فيها بعد ذلك منصور اليشكري ، فهي اليوم تسمى قلعة منصور .