باب ذكر نوح عليه السلام  
وهو نوح بن لمك بن متوشلخ بن إدريس   . 
وقال  الزبير بن بكار   : نوح بن ملكان بن مثوب بن إدريس  ، وكان بين آدم  ونوح  ألف سنة ، وولد نوح عليه السلام  بعد وفاة آدم  بثمانمائة وست وعشرين سنة ، فلما بلغ قال له أبوه: قد علمت أنه لم يبق في هذا الموضع غيرنا فلا تستوحش ولا تتبع الأمة الخاطئة ، فما زال على حاله حتى بعثه الله تعالى بعد أن تكامل له خمسون سنة ، وقيل: ثلاثمائة وخمسون ، وقيل: كان ابن أربعمائة وثمانين سنة ، فبعث وليس في الزمان من يأمر بالمعروف ، وكانوا يعبدون الأوثان ، فدعاهم وكانوا يضربونه حتى يغشى عليه . 
أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزار  ، أخبرنا الجوهري  ، أخبرنا  أبو عمر بن حيويه  ، أخبرنا أحمد بن معروف  أخبرنا الحارث بن أبي أسامة  ، حدثنا محمد بن سعد  ، أخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي  ، عن أبيه  ، عن  ابن عباس  ، قال: كان للمك يوم ولد نوحا  اثنتان وثمانون سنة ولم يكن أحد في ذلك الزمان ينهى عن منكر ، فبعث الله نوحا  إليهم وهو ابن أربعمائة وثمانين سنة ، ودعاهم مائة وعشرون سنة ، وركب السفينة وهو ابن ستمائة سنة ، ثم مكث بعد ذلك ثلاثمائة وخمسين سنة  . 
أخبرنا أبو المعمر الأنصاري  ، أخبرنا يحيى بن عبد الوهاب بن منده  ، أخبرنا أبو طاهر بن عبد الرحيم  ، أخبرنا أبو محمد بن حبان  ، حدثنا محمد بن أحمد بن معدان  ، حدثنا أبو عمير  ، حدثنا أبو ضمرة  ، عن سعيد بن حسن  ، قال: كان قوم نوح   [ ص: 240 ] يزرعون في الشهر مرتين ، وكانت المرأة تلد أول النهار فيتبعها ولدها في آخره . 
قال علماء السير: فرض الله على نوح  الصلاة والحلال والحرام  ، وأمره الله -عز وجل- بصنعه السفينة ، فغرس شجرة فعظمت ثم قطعها ، وجعل يعمل سفينة فيمرون عليه فيسخرون منه . 
قال  سلمان الفارسي   : أنبت الساج أربعين سنة ، وعملها في أربعمائة سنة  . 
قال  قتادة   : ذكر لنا أن طولها ثلاثمائة ذراع ، وعرضها خمسون ، وارتفاعها في السماء ثلاثون  . 
وقيل: طولها ألف ذراع ، وكانت ثلاث طبقات ، فطبقة فيها الدواب والوحش ، وطبقة فيها الإنس ، وطبقة فيها الطير ، فلما كثرت أرواث الدواب أوحى الله تعالى إلى نوح  أن اغمز ذنب الفيل فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة ، فأقبلا على الروث ، فلما وقع الفأر بخرز السفينة يقرضه أوحى الله إلى نوح  أن اضرب بين عيني الأسد فخرج من منخره سنور وسنورة ، فأقبلا على الفأر . 
وروى يوسف بن مهران  ، عن  ابن عباس  ، قال: أول ما حمل في الفلك من الدواب الذرة ، وآخر ما حمل الحمار  . 
قال  ابن عباس   : كانوا ثمانين رجلا منهم سام ،  وحام ،  ويافث .  وكنائنه ، نساء بنيه هؤلاء ، وثلاثة وسبعون من ولد شيث   . 
وقال  قتادة   : كانوا ثمانية: نوح  وامرأته ، وبنوه الثلاثة ونساؤهم  . 
وقال  الأعمش   : كانوا سبعة ، ولم يذكر امرأة نوح   .  [ ص: 241 ] 
وقال  ابن إسحاق   : كانوا عشرة . 
قال  ابن جريج   : حدثت أن حاما  أصاب امرأته في السفينة فدعا عليه نوح  فتغير نطفته فجاء بالسودان   . 
وقال الحسن   : كان التنور الذي فار منه الماء حجارة  . 
واختلفوا أين فار التنور ؟ 
فروى عكرمة  عن  ابن عباس  أنه فار بالهند   . وقال  الشعبي   ومجاهد  بالكوفة   . 
أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك  ، حدثنا أبو الحسين بن علي الطناجيري  ، أخبرنا عمرو بن أحمد بن شاهين  ، حدثنا عبد الله بن محمد  ، حدثنا شيبان بن فروخ  ، حدثنا سعيد بن عبد العزيز  ، عن أبيه  ، عن  أنس  ، قال: لما ركب نوح  السفينة جاء إبليس فتعلق بالسفينة وقال: من أنت؟ قال: إبليس ، قال: ما جاء بك؟ قال: جئت لتسأل لي ربك ، هل لي من توبة؟ قال: فأوحى الله إليه أن توبته أن يأتي قبر آدم  فيسجد له ، فقال: أنا لم أسجد له حيا وأسجد له ميتا ، فذلك قوله تعالى: أبى واستكبر وكان من الكافرين    . 
قال علماء السير: فلما استقر نوح  بمن معه فتحت أبواب السماء بماء منهمر  ، فغطى السفينة وكان بين أن أرسل الله الماء ، وبين أن احتمل السفينة أربعون يوما ، ثم ارتفع الماء فوق الجبال فهلك كل ما على وجه الأرض من ذي روح وشجر ، فلم يبق سوى نوح  ومن معه .  [ ص: 242 ] 
ويزعم أهل الكتاب  أنه بقي عوج بن عناق  أيضا . 
روى أبو صالح  ، عن  ابن عباس  ، قال: أرسل الله المطر أربعين يوما وأربعين ليلة ، فأقبلت الوحش والدواب كلها إلى نوح  ، وسخرت له  ، فحمل له منها من كل زوجين اثنين ، وحمل جسد آدم  ، فجعله حاجزا بين النساء والرجال ، فركبوا [فيها] لعشر ليال مضين من رجب ، وخرجوا منها يوم عاشوراء ، فسارت بهم السفينة وطافت بهم الأرض كلها في ستة أشهر لا تستقر ، حتى أتت الحرم  فلم تدخله ، ودارت بالحرم  أسبوعا ، ورفع البيت  الذي بناه آدم  ، رفع من الغرق - وهو البيت المعمور  والحجر الأسود  – على أبي قبيس  ، ثم انتهت بهم إلى الجودي  ، وهو جبل في أرض الموصل  ، فاستقرت عليه ، وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي   . فصار ما نزل من السماء هذه البحور التي ترون في الأرض ، فآخر ما بقي من الطوفان في الأرض [ماء] بحسمى بقي في الأرض أربعين سنة بعد الطوفان ثم ذهب  . 
قال العلماء: أرسل الله الطوفان [لمضي] ستمائة سنة من عمر نوح   ، ولتتمة ألفي سنة ومائتي سنة وست وخمسين سنة من لدن هبوط آدم  ، وكان ذلك لثلاث عشرة خلت من آب ، وأقام نوح  في السفينة إلى أن غاض الماء ، فلما خرج اتخذ بناحية بقردى من أرض الجزيرة  موضعا ، وابتنى هناك قرية سموها ثمانين  ، لأنه كان فيها  [ ص: 243 ] لكل إنسان معه بيت ، فهي إلى اليوم تسمى سوق ثمانين   . 
أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك  ، أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار  ، أخبرنا الحسين بن علي الطناجيري  ، [أخبرنا] عمر بن أحمد بن شاهين  ، حدثنا موسى بن عبد الله بن يحيى  ، قال: حدثني عبد الله بن أبي سعد  ، حدثني محمد بن الهيثم بن عدي  ، حدثني أبو يعقوب بن سابق  ، حدثنا هشيم  ، عن الكلبي  ، عن ابن صالح  ، عن  ابن عباس  ، قال: كان مجتمع الناس حيث خرجوا من السفينة ببابل  ، فنزلوا سوق ثمانين بالجزيرة  ، فابتنى كل واحد منهم بيتا ، وكانوا ثمانين رجلا فسمي سوق ثمانين  ، ثم ضاقت بهم حتى خرجوا فنزلوا موضع بابل  ، وكان طول بابل  اثني عشر فرسخا في اثني عشر فرسخا ، وكان سورها عند النيل وبابها عند داوردان  ، فمكثوا بها حتى كثروا ، وملكهم يومئذ نمرود بن كنعان بن حام بن نوح  ، فلما كفروا بلبل الله ألسنتهم ففرقوا على اثنين وسبعين لسانا ، وفهم الله العربية عمليق  ، وأميم ،  وطسم بن لوط بن سام ،  وعاد وعبيل  ابني عوص بن إرم بن سام ،  وثمود  ، وجديس بن جاثم بن إرم بن سام ،  وقنطور بن عابر بن شالخ بن أرفخسد بن سام   . 
فخرجت عاد  وعبيل ،  فنزلت عاد  الشحر  ، ونزلت عبيل  يثرب  ، ونزلت عماليق  صنعاء  وما حولها ، ونزلت أميم  أبار  ومضى بعضهم مع عاد  ، ومضت طسم  وجديس  فنزلوا اليمامة  ، ونزلت ثمود  الحجر  وما والاها . 
فهلكت عاد  والعماليق  بصنعاء  ، وتحولت العماليق  فنزلت مكة  ثم مضى بعضهم إلى يثرب  ، ويثرب  اسم رجل منهم  . 
قال  ابن شاهين   : وحدثني أبي  ، حدثنا محمد بن علي  ، حدثنا  القعنبي  ، حدثنا أبو  [ ص: 244 ] 
ضمرة  ، عن  مالك بن أنس  ، قال: كان الرجل في زمان نوح  ينتسب إلى خمسة عشر أبا كلهم حي  . 
قال العلماء: عاش نوح  بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة على خلاف في عدد السنين ، وكان جميع عمر نوح  ألف سنة إلا خمسين عاما ، ويقال أكثر ، وإنما ذلك مقدار لبثه في الإنذار والله أعلم . 
وروى أبو صالح  عن  ابن عباس  ، قال: ولد نوح  ساما  وفي ولده بياض وأدمة ، وحاما  وفي ولده سواد وبياض قليل ، ويافث  وفيهم [الشقرة] والحمرة ، وكنعان  وهو الذي غرق ، والعرب  تسميه ياما   . 
قال  ابن عباس  في قوله تعالى: وجعلنا ذريته هم الباقين   ، قال: لم يبق إلا ذرية نوح   . 
وقال  قتادة   : الناس كلهم من ذرية نوح    . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					