[بيان المراد من قوله صلى الله عليه وسلم: «اثنا عشر»]
وعند أحمد بسند حسن والبزار أنه سئل: كم يملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال: سألنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ابن مسعود «اثنا عشر، كعدة نقباء بني إسرائيل». عن
قال : (لعل المراد بالاثني عشر في هذه الأحاديث وما شابهها: أنهم يكونون في مدة عزة الخلافة، وقوة الإسلام، واستقامة أموره، والاجتماع على من يقوم بالخلافة، وقد وجد هذا فيمن اجتمع عليه الناس، إلى أن اضطرب أمر القاضي عياض بني أمية، ووقعت بينهم الفتنة زمن فاتصلت بينهم إلى أن قامت الدولة العباسية، فاستأصلوا أمرهم). الوليد بن يزيد،
قال شيخ الإسلام ابن حجر في «شرح »: (كلام البخاري أحسن ما قيل في الحديث وأرجحه، لتأييده بقوله في بعض طرق الحديث الصحيحة: القاضي عياض كلهم يجتمع عليه الناس».
وإيضاح ذلك: أن المراد بالاجتماع: انقيادهم لبيعته، والذي وقع: أن الناس اجتمعوا على ثم أبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان، إلى أن وقع أمر الحكمين في علي، صفين، فتسمى يومئذ بالخلافة، ثم اجتمع الناس على [ ص: 76 ] معاوية عند صلح معاوية ثم اجتمعوا على ولده يزيد، ولم ينتظم الحسن، للحسين أمر، بل قتل قبل ذلك.
ثم لما مات يزيد.. وقع الاختلاف إلى أن اجتمعوا على بعد قتل عبد الملك بن مروان ثم اجتمعوا على أولاده الأربعة: ابن الزبير، الوليد، ثم سليمان، ثم يزيد، ثم هشام، وتخلل بين سليمان ويزيد فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين، والثاني عشر هو: عمر بن عبد العزيز، اجتمع الناس عليه لما مات عمه الوليد بن يزيد بن عبد الملك هشام فولي نحو أربع سنين، ثم قاموا عليه فقتلوه.
وانتشرت الفتن، وتغيرت الأحوال من يومئذ، ولم يتفق أن يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك، لأن الذي قام على ابن عمه يزيد بن الوليد لم تطل مدته، بل ثار عليه قبل أن يموت ابن عم أبيه الوليد بن يزيد مروان بن محمد بن مروان، ولما مات يزيد.. ولي أخوه إبراهيم، فغلبه مروان، ثم ثار على مروان بنو العباس إلى أن قتل.
ثم كان بني العباس السفاح، ولم تطل مدته مع كثرة من ثار عليه، ثم ولي أخوه المنصور فطالت مدته، لكن خرج عنهم المغرب الأقصى باستيلاء المروانيين على الأندلس، واستمرت في أيديهم متغلبين عليها إلى أن تسموا بالخلافة بعد ذلك، وانفرط الأمر إلى أن لم يبق من الخلافة إلا الاسم في البلاد، بعد أن كانوا في أيام بني عبد الملك بن مروان يخطب للخليفة في جميع أقطار الأرض شرقا وغربا، يمينا وشمالا مما غلب عليه المسلمون، ولا يتولى أحد في بلد من البلاد كلها الإمارة على شيء منها إلا بأمر الخليفة). أول خلفاء
ومن انفراط الأمر: أنه كان في المائة الخامسة بالأندلس وحدها ستة أنفس كلهم يتسمى بالخلافة، ومعهم صاحب مصر العبيدي، والعباسي ببغداد خارجا عمن كان يدعي الخلافة في أقطار الأرض من العلوية والخوارج.
قال: (فعلى هذا التأويل يكون المراد بقوله: «ثم يكون الهرج» يعني: [ ص: 77 ] القتل الناشئ عن الفتن وقوعا فاشيا، ويستمر ويزداد، وكذا كان).
وقيل: (إن المراد: وجود اثني عشر خليفة في جميع مدة الإسلام إلى يوم القيامة، يعملون بالحق وإن لم تتوال أيامهم، ويؤيد هذا: ما أخرجه مسدد في «مسنده الكبير» عن أبي الجلد أنه قال: «لا تهلك هذه الأمة حتى يكون منها اثنا عشر خليفة، كلهم يعمل بالهدى ودين الحق، منهم رجلان من أهل بيت محمد صلى الله عليه وسلم».
وعلى هذا فالمراد بقوله: «ثم يكون الهرج» أي: الفتن المؤذنة بقيام الساعة: من خروج الدجال وما بعده) انتهى.
قلت: وعلى هذا فقد وجد من الاثني عشر: الخلفاء الأربعة، والحسن، ومعاوية، وابن الزبير، : هؤلاء ثمانية، ويحتمل أن يضم إليهم: وعمر بن عبد العزيز من العباسيين، لأنه فيهم المهتدي كعمر بن عبد العزيز في بني أمية، وكذلك: الظاهر، لما أتاه من العدل، ويبقى الاثنان المنتظران: أحدهما المهدي، لأنه من آل بيت محمد صلى الله عليه وسلم.