ويسن أن يغض طرفه عن جليسه ويؤثر على نفسه المحتاج ويخلل أسنانه إن علق بها شيء قال في المستوعب : روي عن رضي الله عنهما أنه قال ترك الخلال يوهن الأسنان ، وذكره بعضهم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن عمر يكره الشيخ عبد القادر ولا يتخلل بقصب [ ص: 182 ] ورمان وريحان وطرفاء ونحوها ، وكذا ذكر غير واحد أنه يخلل ما بين المواضع بعد الأكل قال صاحب النظم ، والق ذلك وهذا للخبر عن التخلل على الطعام رضي الله عنه مرفوعا { أبي هريرة } . رواه من أكل فما تخلل فليلفظ ، ومن لاك بلسانه فليبلع من فعل فقد أحسن ، ومن لا فلا حرج أبو داود وغيرهم وفي إسناده وابن ماجه حصين بن الحميري الحبراني عن أبي سعيد الخير ويقال أبو سعد وهما مجهولان فلهذا ضعفه غير واحد وصححه وغيره وضعفه أولى ، وقياس قول الأصحاب العمل به في الاستحباب كما قالوا بما فيه من المستجمر ، والمكتحل ، ولا يأكل ما يشرب عليه الخمر ، ولا مختلطا بحرام بلا ضرورة . ابن حبان
قال بعض أصحابنا ومن الآداب أن لا يأكل إلا مطمئنا وهذا خلاف أشهر التفسيرين فيما رواه من قول النبي صلى الله عليه وسلم { } أي لا آكل أكل راغب في الدنيا متمكن بل آكل مستوفزا بحسب الحاجة وقد فسر ذلك بالتربع لما فيه من التجبر . أما أنا فلا آكل متكئا
وعنه عليه السلام أنه قال { } وفسر الاتكاء بالميل على الجنب ، والاستناد إلى شيء وهذا هو المتبادر إلى الفهم عرفا وهو يضر من جهة الطب لتغير الأعضاء ، والمعدة عن الوضع الطبيعي ولا يصل الغذاء بسهولة . إنما أنا عبد أجلس كما يجلس العبد ، وآكل كما يأكل العبد
وقال ابن هبيرة يدل على استخفافه بنعمة الله فيما قدمه بين يديه من رزقه وفيما يراه الله من ذلك على تناوله ، ويخالف عوائد الناس عند أكلهم الطعام من الجلوس إلى أن يتكئ فإن هذا يجمع بين سوء الأدب ، والجهل واحتقار النعمة ، ولأنه إذا كان متكئا لا يصل الغذاء إلى قعر المعدة الذي هو محل الهضم فلذلك لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ونبه على كراهته . [ ص: 183 ] أكل الرجل متكئا
وعنه عليه السلام { } وفي لفظ { أنه أكل مقعيا تمرا } وفي لفظ { يأكل منه أكلا ذريعا } روى ذلك حثيثا من حديث مسلم . " مقعيا " أي جالسا على أليته ناصبا ساقيه ، " وذريعا " " وحثيثا " أي مستعجلا لشغل آخر . وسبق في الفصل الأول أنه عليه السلام جثا قال أنس قلت إسحاق بن منصور تكره الأكل متكئا قال أليس قال النبي صلى الله عليه وسلم { لأبي عبد الله } قال في المستوعب . لا يأكل متكئا فقد نهي عنه وقال في موضع إن من آداب الأكل أن لا يأكل متكئا ولا منبطحا ولا يأكل إلا مطمئنا . لا آكل متكئا ؟
وعن رضي الله عنه { ابن عمر وأن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر يأكل وهو منبطح على بطنه } وقال لم يسمعه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مطعمين عن جعفر بن برقان من الزهري وهو منكر ، ثم رواه من طريق آخر أنه بلغه عن الزهري .
وذكر مشايخ الحنفية أنه لا بأس الأكل متكئا ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل يوم خيبر متكئا كذا قالوا ، ولا يلقم جليسه ولا يفسح له إلا بإذن رب الطعام ، ذكره في الرعاية الكبرى .
وقال بعض أصحابنا من الأدب أن ، وهذا يدل على جواز ذلك عملا بالعادة ، والعرف في ذلك لكن الأدب ، والأولى الكف عن ذلك لما فيه من إساءة الأدب على صاحبه ، والإقدام على طعامه ببعض التصرف من غير إذن صريح وفي معنى ذلك تقديم بعض الضيفان ما لديه ونقله إلى البعض الآخر لكن لا ينبغي لفاعل ذلك أن يسقط حق جليسه من ذلك ، والقرينة تقوم مقام الإذن في ذلك قال لا يلقم أحدا يأكل معه إلا بإذن مالك الطعام { أنس فما زلت أحب الدباء أنس } رواه دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فانطلقت معه فجيء بمرق فيها دباء فجعل يأكل من ذلك الدباء ويعجبه فلما رأيت ذلك جعلت ألقيه ولا أطعمه قال مسلم ولم يقل ولا أطعمه . ، والبخاري
وفيه أن خادم الكبير يتبعه في الدعوة كما هو في العرف وإن لم ينص عليه بخلاف غيره من زوجة وغيرها ، ولأنه قد يتوقف حضور الكبير عليه لتعلق مصلحته وحاجته به ، ، والداعي يرضى بذلك ويأذن فيه عادة وعرفا لا بغيره فاختص [ ص: 184 ] بالجواز لذلك ، وقد يقال كأنه مدعو لهذا المعنى وهذا متوجه واضح كما ترى ولم أجد من ذكره .
فإن قيل من المعلوم أن الداعي يأذن في ذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل يأذن لما ذكرنا وهو أمر مشترك لا لمعنى خاص ولهذا استأذن عليه السلام في غير خادمه ولم يستأذن في خادمه قط مع أنه خدمه مدة إقامته عليه السلام بالمدينة لا زمنا يسيرا وكان عليه السلام لا يمتنع من دعوة بلا عذر وخادمه ملازمه غالبا أو كثيرا والله أعلم .
وعن قال : { أبي مسعود الأنصاري الأنصار يقال له أبو شعيب وكان له غلام لحام فقال لغلامه : ويحك اصنع لنا طعاما لخمسة نفر فإني أريد أن أدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم خامس خمسة فاتبعهم رجل لم يدع فلما بلغ الباب قال النبي صلى الله عليه وسلم إن هذا اتبعنا فإن شئت أن تأذن له وإن شئت رجع قال بل آذن له يا رسول الله } متفق عليه وليس في كان رجل من لم يدع ، فيه أن مسلم لا ينهاه ولا يأذن له ويلزمه إعلام صاحب الطعام ويستحب لصاحب الطعام أن يأذن له ما لم يكن في حضوره مفسدة . من دعي فتبعه رجل
وعن ( رضي الله عنه ) { أنس فقال : لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا فعاد يدعوه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وهذه قال : لا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ، ثم عاد يدعوه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذه قال نعم في الثالثة ، فقاما يتدافعان حتى أتيا منزله لعائشة } رواه أن جارا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فارسيا كان طيب المرق صنع له طعاما ، ثم جاء يدعوه فقال : وهذه كره عليه السلام أن يختص عن مسلم بالطعام في هذه الحال لحاجتها في ذلك الوقت أو لمعنى يختص بهذه الحال ولأنه لم يكن حضورها معه في ذلك معتادا وقوله يتدافعان أي يمشي كل واحد في أثر الآخر . عائشة
وأما ما رواه من حديث مسلم رضي الله عنه من ذهابه هو عليه السلام أبي هريرة وأبو بكر رضي الله عنهما في حال الضرورة ، والفاقة إلى حديقة وعمر رضي الله عنه فلا يدل على جواز استتباع الإنسان [ ص: 185 ] إلى دار من يعلم رضاه بذلك ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن مدعوا في تلك الحال ، والقضية قضية عين يحتمل أنهم علموا رضاه بذلك وهذا جائز ويحتمل أنهم أضياف في هذه الحال ولهذا قال أبي الهيثم بن التيهان أبو الهيثم الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني ويحتمل أن فيه دلالة على استتباعه ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم { لأبي بكر قوما فقاما فأتى رجلا من وعمر الأنصار فإذا هو ليس في بيته فلما رأته المرأة قالت مرحبا وأهلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأين فلان ؟ قالت ذهب ليستعذب لنا من الماء إذ جاء الأنصاري فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ، ثم قال : الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني قال : فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب فقال كلوا وأخذ المدية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إياك ، والحلوب فذبح لهم شاة فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا فلما أن شبعوا ورووا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنهما والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة أخرجكم من بيوتكم الجوع ، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم وعمر } . قال
وزاد الترمذي فقال النبي صلى الله عليه وسلم { أبو الهيثم فقال النبي صلى الله عليه وسلم اختر منهما قال يا نبي الله اختر لي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن المستشار مؤتمن خذ هذا فإني رأيته يصلي واستوص به معروفا . فانطلق أبو الهيثم إلى امرأته فأخبرها بقول النبي صلى الله عليه وسلم فقالت امرأته : ما أنت ببالغ ما قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن نعتقه قال فهو عتيق ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله لم يبعث نبيا ولا خليفة إلا وله بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر ، وبطانة لا تألوه خبالا ومن يوق بطانة السوء فقد وقي } هل لك خادم قال : لا قال : فإذا أتانا شيء فائتنا فأتي النبي صلى الله عليه وسلم برأسين فأتاه
هذا حديث تضمن فوائد حسنة يحتاج إليها مفهومة منه فلهذا ذكرته والله أعلم ، ولكن في خبر رضي الله عنه زمن الخندق { جابر المهاجرون ، والأنصار ومن معهم قال : فقال ادخلوا ولا تضاغطوا فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم ويخمر البرمة ، والتنور إذا أخذ منه [ ص: 186 ] ويقرب إلى أصحابه حتى شبعوا وبقي بقية قال كلي هذا وأهدي فإن الناس أصابتهم مجاعة يعني يقول لامرأة جابر } رواه أنه صنع طعاما ، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : فقلت طعيم لي فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان قال : كم هو ؟ فذكرت له قال كثير طيب ، قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز حتى آتي قال قوموا فقام . البخاري
وفي الصحيحين قال { جابر قد صنع لكم سورا فحي هلا بكم وفيه فبصق فيهما وبارك . وفيه وهم ألف فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا ، وإن برمتنا لتغط كما هي ، وإن عجيننا ليخبز كما هو جابرا } . فجئته فساررته فقلت يا رسول الله إنا قد ذبحنا بهيمة لنا وطحنت صاعا من شعير كان عندنا فتعال أنت في نفر معك فصاح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا أهل الخندق إن
وفي { البخاري } . أنه عرضت في الخندق كدية شديدة فجاءوا إليه فقال أنا نازل ، ثم قام وبطنه معصوب بحجر ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول فضرب فعاد كثيبا أهيل أو أهيم
ومثل معنى هذه القصة في حديث { استتباع المدعو إلى من يعلم رضاه رضي الله عنه لما أرسله أنس يدعوه فقال لمن عنده : قوموا وفيه أنه كان عصب بطنه عن الجوع : وفيه أن أبو طلحة رآه في المسجد يتقلب ظهرا لبطن فظنه لجائعا ، وفيه أنه أذن لعشرة عشرة أبا طلحة } .
وفي أن القوم كانوا ثمانين رجلا وفي البخاري ، والقوم سبعون رجلا أو ثمانون صلوات الله وسلامه عليه ورضي الله عنهم وأرضاهم . وأخذ في شرح مسلم من حديث مسلم السابق استحباب إيثار الضيفان بعضهم بعضا إذا لم يكره صاحب الطعام كذا قال . وعن أنس عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما { } كذا في أن أصحاب الصفة كانوا ناسا فقراء وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثلاثة أي بتمام ثلاثة . مسلم
وفي : " ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو بسادس " أو كما قال ، وإن البخاري جاء بثلاثة فانطلق نبي الله صلى الله عليه وسلم بعشرة وإن أبا بكر أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم لبث حتى صليت العشاء ، ثم رجع فلبث حتى نعس رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بعد ما ذهب من الليل ما شاء الله ، قالت امرأته : ما أحبسك عن [ ص: 187 ] أضيافك قال أوما عشيتهم ؟ قالت أبوا حتى تجيء أنت قد عرضوا عليهم فغلبوهم قال : فذهبت أنا فاختبأت فقال يا غنثر فجدع وسب وقال : كلوا لا هنيئا وقال : والله لا أطعمه أبدا قال : وايم الله ما كنا نأخذ من لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها قال : شبعنا وصارت أكثر مما كانت قبل ذلك فنظر إليها أبو بكر فإذا هي كما هي أو أكثر ، ثم قال لامرأته يا أخت بني فراس ما هذا ؟ قالت : لا وقرة عيني لهي الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرار ، فأكل منها أبو بكر وقال إنما كان ذلك من الشيطان يعني يمينه . وعنه أيضا قال { عبد الرحمن افرغ من أضيافك قال فلما أمسيت جئنا بقراهم قال فأبوا قالوا حتى يجيء أبو منزلنا فيطعم معنا قال فقلت إنه رجل حديد وإنكم إن لم تفعلوا خفت أن يصيبني منه أذى قال فأبوا فلما جاء لم يبدأ بشيء أول منهم فقال فرغتم من أضيافكم ؟ قالوا لا والله ما فرغنا قال أولم آمر عبد الرحمن قال وتنحيت عنه فقال يا عبد الرحمن فتنحيت ، فقال يا غنثر أقسمت عليك إن كنت تسمع صوتي إلا أجبت قال فجئت فقلت والله ما لي ذنب ، هؤلاء أضيافك فسلهم قد أتيتهم بقراهم فأبوا أن يطعموا حتى تجيء قال فقال ما لكم ألا تقبلوا عنا قراكم قال : فقالأبو بكر والله لا أطعمه الليلة قال فقالوا والله لا نطعمه حتى تطعمه قال فما رأيت الشر كالليلة قط ، ويلكم ما لكم ألا تقبلوا عنا قراكم ، ثم قال إنما الأولى فمن الشيطان هلموا قراكم قال فجيء بالطعام فسمى فأكل وأكلوا قال فلما أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله بروا وحنثت ، وأخبره قال بل أنت أبرهم وأخيرهم قال ولم تبلغني كفارة } . رواهما نزل علينا أضياف لنا وكان أبي يتحدث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل قال فانطلق قال يا مسلم وليس فيه : " بروا وحنثت إلى آخره " . وفيه فحلفت المرأة لا تطعمه حتى يطعمه ، وليس عنده : حتى نعس وهي بفتح العين إنما عنده حتى تعشى . [ ص: 188 ] ، والبخاري
فيه الاشتغال عن الضيف بشغل ومصلحة إذا كان له من يقوم به . وفيه أن الضيف لا يمتنع مما يريد المضيف مما يتعلق بقراه ولا يعترض عليه فإن علم أنه يتكلف مشقة حياء منه اعترض برفق ; لأنه قد يكون للمضيف غرض في ذلك فيشق عليه إظهاره ويشق عليه مخالفة الضيف وقد ذكر أبو زكريا النواوي ذلك عن العلماء .
وفيه كما ترجم عليه السمر مع الضيف والأهل وترجم أيضا ( باب في قول البخاري ) وإنما امتنع أضياف الضيف لصاحبه لا آكل حتى تأكل أبي بكر لمصلحة ; لأنه قد لا يحصل له عشاء . وإنما اختبأ عبد الرحمن خوف خصام وشتم ، وغنثر الأشهر أنه بغين معجمة ومضمومة ، ثم نون ساكنة ، ثم ثاء مثلثة مفتوحة ومضمومة وهو الثقيل ، وقيل الجاهل وقيل السفيه وقيل اللئيم وقيل هو ذباب أزرق .
ورواه بعضهم عنتر بعين مهملة وتاء مثناة مفتوحتين وهو الذباب الأزرق ، وقوله فجدع أي دعا بالجدع وهو قطع الأنف وغيره ، والسب الشتم .
وفيه الاختباء خوف أذى وإنه لا أذى بمثل هذا من الوالد . قوله : لا هنيئا إنما قاله غيظا بتركهم العشاء بسببه ، كذا في شرح مسلم فيؤخذ منه عدم المؤاخذة عما يحدث في حال الغيظ . ويتوجه أنه قال أدبا على مخالفة السنة وله نظائر كقوله عليه السلام للممتنع من الأكل بيمينه وقوله لا أستطيع قال { } . لا استطعت ما منعه إلا الكبر
وقوله { } وقول من سمعتموه ينشد ضالة في المسجد فقولوا لا ردها الله عليه رضي الله عنهما للقائل في الجنازة استغفروا له : لا غفر الله لك . وقيل في قوله لا هنيئا إنما هو خبر أي لم يتهنوا به في وقته ، وفيه إثبات كرامات الأولياء خلافا ابن عمر للمعتزلة وقرة العين يراد بها المسرة فقيل مأخوذ من القرار ، لأن عينه تقر لحصول مراده فلا تستشرف لشيء ، وقيل مأخوذ من القر بضم القاف وهو البرد أي عينه باردة لسرورها يقال أقر الله عينه أي أبرد دمعته ; لأن دمعة الفرح باردة . ويقال في ضده أسخن الله عينه ، وفيه القسم بمخلوق قيل أرادت بقرة عينها النبي صلى الله عليه وسلم فأقسمت به ، وقوله لا وقرة عيني لا زائدة وقيل نافية أي لا شيء غير ما أقول وهو قرة عيني . [ ص: 189 ]
وقوله رجل حديد : أي قوي يغضب لذلك . قوله ألا تقبلون ؟ ألا بتخفيف اللام للتحضيض وافتتاح الكلام ، وقيل مشددة أي ما لكم لا تقبلون ؟ وأي شيء منعكم ؟ قوله أخيرهم هي لغة ، والأشهر خيرهم ، وفيه تقديم حنث المضيف لتأكد حق الضيف ، وقوله لم يبلغني كفارة أي قبل الحنث ، أما وجوبها فلا خلاف فيه ، كذا في شرح ، والمسألة مذكورة في الأيمان من الفقه . مسلم
وعن رضي الله عنه قال { أبي هريرة الأنصار فقال أنا يا رسول الله ، فانطلق به إلى رحله فقال لامرأته هل عندك شيء ؟ قالت لا إلا قوت صبياننا قال فعلليهم بشيء فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج وأريه أنا نأكل فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السراج حتى تطفئيه قال فقعدوا فأكل الضيف فلما أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة } متفق عليهما . وفيهما { جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني مجهود فأرسل إلى نسائه قلن كلهن : لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء قال من يضيفه هذه الليلة رحمه الله ؟ فقام رجل من } قال فنزلت الآية . وقربي للضيف ما عندك
وفي : { البخاري } ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ندخر به شيئا
وفيه { } . وفيه { إذا أراد الضيف العشاء فنوميهم أن من سئل شيئا قام به إن أمكنه وإلا سأل له } لكن ليس في الخبر سؤال معين ، وفيه ما كان عليه النبي من الزهد في الدنيا ، والتقلل منها ، وفيه الاحتيال ، والتلطف بإكرام الضيف على أحسن الوجوه ، والخبر محمول على أنه لم يكن بالأنصاري وأولاده حاجة إلى الأكل بحيث يحصل الضرر بتركه وإلا لوجب تقديمهم شرعا على حق الضيف وفيه الإيثار ممن لم يتضرر بأمور الدنيا قال في شرح أجمع العلماء على فضيلته وقد يكون ذلك سببا لحصول الكفاية مع حيازة الفضيلة . مسلم
ولهذا في الصحيحين من حديث رضي الله عنه { أبي هريرة } طعام الاثنين كاف الثلاثة وطعام الثلاثة كاف الأربعة من حديث ولمسلم { جابر } . طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة ، وطعام الأربعة يكفي الثمانية
وفي من حديث البخاري أبي جحيفة { سلمان [ ص: 190 ] وأن وأبي الدرداء سلمان زاره فصنع له طعاما وقال له كل فإني صائم ، فقال أبو الدرداء سلمان ما أنا بآكل حتى تأكل فأكل } . أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين
قال ابن هبيرة وليس هذا من آداب الضيف ولكنه قصد أن يرد عليه ما كان عليه من الإفراط في كثرة العبادة ، والإعراض عن النساء وغير ذلك قال وفيه استحباب زيارة الأخ أخاه فإن رآه على خير أعانه ، وإن رآه محتاجا إلى تقويم قومه ، قال وفيه جواز أن يؤاخى بين المؤمنين مع أن المؤمنين إخوة إلا أن هذا الإخاء لمعنى وهو أن النبي نظر بنور الأيمان إلى خشونة يصلح أن يضاف إليها علم أبي الدرداء سلمان وفقهه والله أعلم .