ورووا أيضا عن مرفوعا { سهل بن سعد المرء كبير بأخيه ولا خير في صحبة من لا يرى لك مثل ما ترى له } وقال الشاعر :
وإني لأستحيي أخي أن أرى له علي من الحق الذي لا يرى ليا
قيل معناه أن لا يرى أن لي عليه حقا حسب ما أرى له من وجوب حقه على هذا يوافق معنى خبر سهل المذكور وقيل : المعنى إني أستحيي أخي أن أرى له عندي من فضل سابق منه ما لا يرى لي عنده من فضل فيكون قد أثبت عندي حقا لم أثبت لنفسي عنده من الحق مثله .قال القاضي المعافى وهذا أصح وخبر سهل جار على عكس هذا الطريق وإنما يصح حمله على هذا النحو لو كان قيل فيه ولا خير لمن صحبته في صحبتك إذا لم تر له من الحق مثل الذي يرى لك .
وذكر أن رسول [ ص: 577 ] الله صلى الله عليه وسلم قال : { ابن عبد البر لا خير في صحبة من لا يرى لك كالذي يرى لنفسه } قال الشاعر :
وإني لأستحيي أخي أن أبره قريبا وأن أجفوه وهو بعيد
ونظيره قول رضي الله عنه نحن الزمان من رفعناه ارتفع ومن وضعناه اتضع وقال معاوية لم يقل أحد في التفرح بالمفاوضة إلى الإخوان والتشكي إلى أهل الحفظ والأقدار وذوي الرعاية والأخطار مثل قول الأصمعي بشار :
وأبثثت عمرا بعض ما في جوانحي وجرعته من مر ما أتجرع
ولا بد من شكوى إلى ذي حفيظة إذا جعلت أسرار نفس تطلع
وقال أبو الفرج الشيرازي من أصحابنا رحمه الله في كتاب التبصرة له قال رضي الله عنه وإذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أحمد بن حنبل أهل السنة والجماعة فأرجه وإذا رأيته مع أصحاب البدع فايئس منه فإن الشاب على أول نشوئه انتهى كلامه .
وقال ابن الجوزي في كتابه السر المكتوم لما ذكر المعتزلة وغيرهم والفلاسفة قال الله الله من مصاحبة هؤلاء ، ويجب منع الصبيان من مخالطتهم [ ص: 578 ] لئلا يثبت في قلوبهم من ذلك شيء واشغلوهم بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لتعجن بها طبائعهم انتهى كلامه .
وقال في رسالته إلى الإمام أحمد مسدد : ولا تشاور صاحب بدعة في دينك ، ولا ترافقه في سفرك وكان رحمه الله ينهى عن مخالطة أبناء الدنيا وعن النظر إليهم والاجتماع بهم ، ويأمر بالاشتغال بالعلم ومخالطة الصالحين . قال القاضي أبو يعلى في بهجة المجالس : أنشد ابن عبد البر أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب ويقال إنها له :
إن صحبنا الملوك تاهوا وعقوا واستخفوا كبرا بحق الجليس
أو صحبنا التجار صرنا إلى البؤس وعدنا إلى عداد الفلوس
فلزمنا البيوت نستخرج العلم ونملأ به بطون الطروس
وفي هذا المعنى وما يتعلق بهذا الفضل أشياء كثيرة وتقدم ما يتعلق به في غير موضع وهذه إشارة فيها كفاية إن شاء الله تعالى .