لا تواكلن جائعا إلا بالإيثار ، ولا تواكلن غنيا إلا بالأدب ، ولا تواكلن ضيفا إلا بالنهمة والانبساط ولا تلقين أحدا بما يكره وإن كنت ناصحا فإن ذلك ينفره عن القبول لنصحك ولا تدعه من الأسماء إلا بأحبها إليه ، وتغافل عن هفوات الناس فذلك داعية لدوام العشرة ، وسلامة الود ، وخفف مؤنتك بترك الشكوى ، وإذا كرهت من غيرك خلقا فلا تأته ، وإذا حمدته فتخلق به ، ولا تستصغر كبير الذنب فتعرى ، ولا تستكبر صغيرها فتيأس ، وأعط كل ذنب حقه من عقوبته إن قدرت ، ومن اللائمة والهجران إن عن العقوبة عجزت ولا تقتض الناس بجراء إحسانك اقتضاء البائع بثمن سلعته ، ولا تمنن عليهم فالمن استيفاء لمعروفك أو تكدير لبرك فإن قدرت على هذه الخلائق في معاشرتك وإلا فالعزلة خير لك وخير للناس ، فإنك بستر نفسك تستريح من احتقاب الآثام بإسقاط جرم الأنام ، والسلام .
وروى في الفنون بإسناده عن ابن عقيل هشام بن سليمان المخزومي عن أبيه قال أذن للناس إذنا عاما فلما احتفل المجلس قال أنشدوني ثلاثة أبيات لرجل من معاوية العرب كل بيت منها مستقل بمعناه ، فسكتوا فلما سكتوا علم أنهم قد أعيوا إذ طلع فقيل : مقول عبد الله بن الزبير العرب وعلامتها ، فقال أبا خبيب فقال مهيم قال أنشدني ثلاثة أبيات لرجل من العرب كل بيت قائم بمعناه قال بستمائة ألف قال وتساوي قال فأنت بالخيار وأنت واف كاف فأنشده للأفوه الأودي : [ ص: 587 ]
بلوت الناس قرنا بعد قرن فلم أر غير ختال وقال
قال : صدقت هيه قل البيت الثاني ، فقال :وذقت مرارة الأشياء طرا فما طعم أمر من السؤال
ولم أر في الخطوب أشد وقعا وأصعب من معاداة الرجال