وقال أبو حاتم قلت رأيت في كلام للأصمعي ابن المقفع العلم كثير ولكن أخذ البعض خير من ترك الكل فأنكره أشد الإنكار وقال كل وبعض معرفتان فلا تدخلهما الألف واللام لأنهما في نية الإضافة ومن هنا قال بعض وكل معرفتان لأنهما في نية الإضافة وقد نصبت أبو علي الفارسي العرب عنهما الحال فقالوا مررت بكل قائما وأما قولهم الباء للتبعيض فمعناه أنها لا تقتضي العموم فيكفي أن تقع على ما يصدق عليه أنه بعض واستدلوا عليه بقوله تعالى : { وامسحوا برءوسكم } وقالوا الباء هنا للتبعيض على رأي الكوفيين ونص على مجيئها للتبعيض في أدب الكاتب ابن قتيبة وأبو علي الفارسي ونقله وابن جني الفارسي عن وقال الأصمعي ابن مالك في شرح التسهيل وتأتي الباء موافقة من التبعيضية .
وقال أيضا في كتابه الموسوم بمشكلات معاني القرآن وتأتي الباء بمعنى من تقول ابن قتيبة العرب شربت بماء كذا أي منه وقال تعالى : { عينا يشرب بها عباد الله } أي منها وقيل في توجيهه لأنه قال { يفجرونها } بمعنى يشرب منها في حال تفجيرها ولو كانت على الزيادة لكان التقدير يشربها جميعا في حال تفجيرهم وهذا التقدير غير مستقيم ومثله يشرب بها المقربون أي يشرب منها وتجري بأعيننا أي من أعيننا والمراد أعين الأرض .
وقال ابن السراج في جزء له في معاني الشعر عند قول زهير
فتعرككم عرك الرحا بثفالها
وضع الباء موضع مع قال وقد ذكر هذا الباب وقال إن الباء تقع موقع من وعن وحكى ابن السكيت أبو زيد الأنصاري من كلام العرب سقاك الله تعالى من ماء كذا أي به فجعلوهما بمعنى وذهب إلى مجيء الباء بمعنى التبعيض وهو من أئمة اللسان وقال بمقتضاه الشافعي أحمد حيث لم يوجبا التعميم بل اكتفى وأبو حنيفة بمسح الأكثر في رواية أحمد بمسح الربع ولا معنى للتبعيض غير ذلك وجعلها في الآية بمعنى التبعيض أولى من القول بزيادتها لأن الأصل عدم الزيادة ولا يلزم من الزيادة في موضع ثبوتها في كل موضع بل لا يجوز القول به [ ص: 55 ] إلا بدليل فدعوى الأصالة دعوى تأسيس وهو الحقيقة ودعوى الزيادة دعوى مجاز ومعلوم أن الحقيقة أولى وقوله تعالى { وأبو حنيفة ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله } قال الباء بمعنى من فالمعنى من نعمة الله قاله الحجة في التفسير ومثله { ابن عباس فاعلموا أنما أنزل بعلم الله } أي من علم الله وقال عنترةشربت بماء الدحرضين فأصبحت زوراء تنفر عن حياض الديلم
شربن بماء البحر ثم ترفعت متى لجج خضر لهن نئيج
هن الحرائر لا ربات أحمرة سود المحاجر لا يقرأن بالسور
فلثمت فاها آخذا بقرونها شرب النزيف ببرد ماء الحشرج
وقال عبيد بن الأبرص
فذلك الماء لو أني شربت به إذا شفى كبدا شكاء مكلومه