المسألة الثالثة : قوله تعالى : { بالله }
وإن كان غاية أيمان الكفار على اعتقادهم الذي قدمنا ، فإنه غاية أيمان المسلمين ; لقوله صلى الله عليه وسلم : { } . وهذا يفيد المنع من من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت . الحلف بغير الله
والحلف بغير الله على وجهين : أحدهما : على وجه التحريم ، بأن يحلف بغير الله سبحانه تعالى معظما له مع الله ، أو معظما له من دونه ; فهذا كفر .
الثاني :
أن يكون على وجه الكراهية ، بأن يلزم نفسه معنى مما يلزمه جنسه في الشرع ابتداء بوجه ما إذا ربطه بفعل أو ترك ، وهو معنى اتفقت عليه الأمة فيما إذا ، فهذه يمين منعقدة ، وهي أصل لغيرها من الأيمان ، وقد تكررت في كتب الفقه وتركب عليها مسألة رابعة : قال : إن دخلت الدار فامرأتي طالق ، أو عبدي حر
المسألة الرابعة : وهي : ما إذا قال : الأيمان تلزمه إن كان كذا وكذا . وقد كانت هذه اليمين في صدر الإسلام معروفة بغير هذه الصورة ; كانوا يقولون : علي أشد ما أخذه أحد على أحد ، فقال : يطلق نساءه ، ثم تكاثرت الصور حتى آلت بين الناس إلى صورة هذه أمها . مالك
وقد كان شيخنا يقول : يلزمه إطعام ثلاثين مسكينا إذا حنث [ ص: 268 ] فيها ; لأن قوله : " الأيمان " جمع يمين ، وهو لو أبو بكر الفهري للزمته كفارة . قال : علي يمين ، وحنث
ولو قال : علي يمينان للزمته كفارتان إذا حنث . والأيمان جمع يمين فيلزمه فيها ثلاث كفارات .
وكان أهل القيروان قد اختلفوا فيها اختلافا كثيرا مرجعه إلى قولين : أحدهما : أن الطلاق فيها ثلاث . والثاني :
أن الطلاق فيها واحدة بائنة .
وقد جمعت في المسألة رسالة إبان كنت بإفريقية ، وقد كثر السؤال فيها علي ، فاستخرت الله سبحانه وتعالى على متوسط من الأقوال لم أخرج فيه عن جادة الأدلة ، ولا عن أصل إمام الأئمة . مالك بن أنس
أما أصل فقوله فيمن مالك . قال علماؤنا : يطلق نساءه ; وذلك لأن الناس كانوا في زمانه ، وقبل ذلك ، يحلفون في البيعة ويتوثقون فيما يحتاجون إليه من العهود في المحالفة ، ويدخلون في اليمين بالله اليمين بالعتق والطلاق والحج وغيره ; فلما سئل قال : علي أشد ما أخذ أحد على أحد عن هذه النازلة وأصحابه رأوا أن الحرج عليهم في أن يتركوا معه أزواجه محتبسين في النكاح ، ومما يأخذه الناس بعضهم على بعض الطلاق فتحرجوا في ذلك ، وقالوا : يطلق نساءه . مالك
وأما طريق الأدلة فلأن الألف واللام لا يخلو أن يراد بها هاهنا الجنس أو العهد ، فإن دخلت للعهد فالمعهود قولك بالله ، فيكون ما قاله . وإن دخلت للجنس فالطلاق جنس ، فيدخل فيها ولا يستوفى عدده ; فإن الذي يكفي أن يدخل من كل جنس معنى واحد ، فإنه لو دخل في الجنس المعنى كله للزمه أن يتصدق بجميع ماله ; إذ قد تكون الصدقة بجميع المال يمينا ، ونافذة فيما إذا كان المال معينا في دار أو عبد أو دابة أو كبش وتصدق بذلك فإنه ينفذ إجماعا ; فتبصرنا ذلك ، وأخذنا [ ص: 269 ] بالوسط منه ، وقد بسطنا ذلك في الرسالة الحاكمة على الأيمان اللازمة ، وهناك يستوفي الناظر غرضه منها ، والله عز وجل أعلم ، وبه التوفيق . الفهري