الآية الثامنة عشرة قوله تعالى { في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا إن } .
فيها ثمان مسائل : المسألة الأولى : اعلموا أنار الله أفئدتكم أن الله خلق السماوات والأرض ، وزينها بالشمس والقمر ، ورتب فيها النور والظلمة ، وركب عليها المصالح الدنيوية والعبادات الدينية ، وأحكم الشهور والأعوام ، ونظم بالكل من ذلك ما خلق من مصلحة ومنفعة ، وعبادة وطاعة ، وعلم ذلك الناس أولا وآخرا ، ابتداء وانتهاء ; فقال : { إن في خلق السماوات والأرض } إلى : الألباب .
وقال : { هو الذي جعل الشمس ضياء } إلى : بالحق .
فأخذ كل فريق ذلك فاضطربوا في تفصيله ، فقال الروم : السنة اثنا عشر شهرا ، والشهور مختلفة ; شهر ثمانية وعشرون يوما ، وشهر ثلاثون يوما ، وشهر واحد وثلاثون يوما .
[ ص: 497 ] وقال الفرس : الشهور كلها ثلاثون يوما ، إلا شهرا واحدا ، فإنه من خمسة وثلاثين يوما .
وقالت القبط بقولها : إن الشهر ثلاثون يوما ، إلا أنه إذا كمل العام ألغت خمسة أيام تنسئها بزعمها .
واتفقوا على أنه لا بد في كل عام من ربع يوم مزيدا على العام ، ثم يجتمع منه في كل أربعة أعوام يوم فيكبس أي يلغى ، ويزاد في العدد ، ويستأنف العام بعده ، وهذا كله قصدا لترتيب المصالح والمنافع .
المسألة الثانية : تحقيق القول : إن الله خلق السنة اثني عشر شهرا ; لأن الله خلق البروج في السماء اثني عشر برجا ، ورتب فيها سير الشمس والقمر ، وجعل مسير القمر ، وقطعه للفلك في كل شهر ، وجعل سير الشمس فيها ، وقطعه في كل عام ، ويتقابلان في الاستعلاء فيعلو القمر إلى الاستواء ، وتسفل الشمس ، وتعلو الشمس ، ويسفل القمر ، وهكذا على الأزمنة الأربعة ، وفي الشهور الاثني عشر ، وجعل عدد أيام السنة القمرية ربع يوم وأربعة وخمسين يوما وثلاثمائة يوم ، وجعل أيام السنة الشمسية ربع يوم وخمسة وستين يوما وثلاثمائة يوم ; فركب العلماء على هذا مسألة ، وهي إذا قال : لا أكلمه الشهور ، فلا يكلمه حولا مجرما : كاملا قال بعض العلماء لقوله تعالى : { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله } .
وقيل : لا يكلمه أبدا .
وأرى إن لم تكن له نية أن يقضي ذلك بثلاثة شهور ; لأنه أقل الجمع بيقين الذي تقتضيه صيغة فعول في جمع فعل .
ومن الناس من جعل سنة من السنين ثلاثة عشر شهرا مقدار ما يجتمع من الكسر في الزيادة فيلغون منه شهرا في سنة ، وقصدهم بذلك كله ألا تغير الشهور عن أوقاتها التي تجري عليها في الأزمنة الأربعة : الشتاء والصيف ، والقيظ والخريف .
[ ص: 498 ] المسألة الثالثة : ، وكان وضع الشريعة الحنيفية السمحة أن يكون بالأهلة حتى يخف تارة ويثقل أخرى ، حتى يعم الابتلاء الجهتين جميعا ; فيختلف الحال فيه على الواحد . مما ضل فيه جهال الأمم أنهم وضعوا صومهم في زمان واحد
والنفس كثيرا ما تسكن إلى ذلك أو يختلف فيه الحال على الجماعة والأمة لذلك المعنى أيضا .