المسألة الثانية : اختلف الناس في قوله : { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم    } هل هو إياس أو تخيير  ؟ فقال قوم : هو إياس بدليل ثلاثة أشياء : أحدها : أنه قال : { فلن يغفر الله لهم    } . 
الثاني : أنه قال : إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم مبالغة ، كقول القائل : لو سألتني مائة مرة ما أجبتك . 
 [ ص: 558 ] الثالث : أنه علل ذلك بقوله : { ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله    } وهذه العلة موجودة بعد الزيادة على السبعين ، وحيث توجد العلة يوجد الحكم . 
وقال قوم : هو تخيير من الله لنبيه ، والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم  لعمر    : { إني خيرت فاخترت ; قد قيل لي : استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ، لو أعلم أني لو زدت على السبعين غفر له لزدت   } . 
وهذا أقوى ; لأن هذا نص صريح صحيح من النبي صلى الله عليه وسلم في التخيير ، وتلك استنباطات ، والنص الصريح أقوى من الاستنباط . 
فأما قولهم : إنه قال : { فلن يغفر الله لهم    } فهذا في السبعين ، وليس ما وراء السبعين كالسبعين ، لا من دليل الخطاب ولا من غيره ; أما من دليل الخطاب فإن دليل الخطاب لا يكون في الأسماء ; وإنما يكون في الصفات ، حسبما بيناه في أصول الفقه ، ورددناه على الدقاق  من أصحاب  الشافعي  الذي يجعله في الأسماء والصفات ، وهو خطأ صراح وأما من غير دليل الخطاب فظاهر أيضا ; لأن الحكم إذا علق على اسم علم بقي غيره خاليا عن ذلك الحكم ، فيطلب الحكم فيه من دليل آخر . 
وأما قولهم : إنها مبالغة فدعوى . 
ولعله تقدير لمعنى ، حتى لقد قال [ في ] ذلك  الأستاذ أبو بكر بن فورك  رحمه الله : إن التعديل في الخمسة ; لأنها نصف العقد ، وزيادة الواحدة أدنى المبالغة ، وزيادة الاثنين لأقصى المبالغة ، ومنه سمي الأسد سبعا ، عبارة عن غاية القوة ، وفي الأمثال : أخذه أخذة سبعة أي : غاية الأخذ ، على أحد التأويلات ، وهذا تحكم ; إذ يحتمل أن يقول : إن الاثنين أوسط المبالغة ، والثلاثة نهايتها ، وذلك في الثمانية ، ومنه يقال في المثل لمن بالغ في عوض السلعة : أثمنت . 
أي : بلغت الغاية في الثمن ، وهذه التحكمات لا قوة فيها ، والاشتقاقات لا دليل عليها ; وإنما هي ملحة ، فإذا عضدها الدليل كانت صحيحة . 
وأما قولهم : إنه علله بالكفر ، وذلك موجود بعد السبعين ، والكافر لا يغفر له . 
قلنا : أما قولهم : إن ذلك موجود بعد السبعين ، فيقال له : هذا الحكم من عدم  [ ص: 559 ] المغفرة إنما كان معلقا بالسبعين ، والزيادة غير معتبرة به ، كما تقدم بيانه ، وإنما علم عدم المغفرة في الكافر بدليل آخر ، ورد من طرق ، منها قوله : { سواء عليهم أستغفرت لهم    } الآية . 
				
						
						
