المسألة الخامسة : قوله : { وتفريقا بين المؤمنين } : يعني أنهم كانوا جماعة واحدة في مسجد واحد ، فأرادوا أن يفرقوا شملهم في الطاعة ، وينفردوا عنهم للكفر والمعصية ، وهذا يدلك على أن المقصد الأكثر والغرض الأظهر من وضع الجماعة تأليف القلوب ، والكلمة على الطاعة ، وعقد الذمام والحرمة بفعل الديانة ، حتى يقع الأنس بالمخالطة ; وتصفو القلوب من وضر الأحقاد والحسادة .
ولهذا المعنى تفطن رضي الله عنه حين قال : " إنه مالك " خلافا لسائر العلماء ، وقد روي عن لا تصلي جماعتان في مسجد واحد ، ولا بإمامين ، ولا بإمام واحد المنع حيث كان ذلك تشتيتا للكلمة ، وإبطالا لهذه الحكمة ، وذريعة إلى أن نقول : من أراد الانفراد عن الجماعة كان له عذر ، فيقيم جماعته ، ويقيم إمامته ; فيقع الخلاف ، ويبطل النظام ، وخفي ذلك عليهم ، وهكذا كان شأنه معهم ، وهو أثبت قدما منهم في الحكمة ، وأعلم بمقاطع الشريعة . الشافعي