المسألة الخامسة : ذهب من العلماء إلى أن الليث بن سعد واجبة ; لقوله صلى الله عليه وسلم : { الضيافة } . وفي رواية [ أنه قال ] : { من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، جائزته يوم وليلة وما وراء ذلك صدقة } . وهذا حديث [ صحيح ] خرجه الأئمة ولفظه ثلاثة أيام ، ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه للترمذي .
وذهب علماء الفقه إلى أن الضيافة لا تجب ; إنما هي من مكارم الأخلاق وحسن المعاملة بين الخلق ، وتأولوا هذا الحديث بأنه محمول على الندب ، بدليل قوله : { } ; والكرامة من خصائص الندب دون الوجوب . [ ص: 21 ] فليكرم ضيفه
وقد قال قوم : إن هذا كان في صدر الإسلام ، ثم نسخ ، وهذا ضعيف ; فإن الوجوب لم يثبت والناسخ لم يرد .
أما إنه قد روى الأئمة عن أنه قال : { أبي سعيد الخدري العرب فاستضفناهم ، فأبوا ، فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء فلم ينفعه . فقال بعضهم : لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا ، لعله أن يكون عندهم شيء ، فقالوا : يا أيها الرهط ; إن سيدنا لدغ ، وقد سعينا له بكل شيء فلم ينفعه ، فهل عند أحد منكم شيء ؟ قال بعضهم : إني والله أرقي ، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا ، فما أنا براق حتى تجعلوا لنا جعلا . فصالحوهم على قطيع من الغنم ، فانطلق يتفل عليه ، ويقرأ الحمد لله رب العالمين ، فكأنما أنشط من عقال ، فانطلق يمشي وما به قلبة . قال : فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه . فقال بعضهم : اقسموا ، وقال الذي رقى : لا تفعلوا ، حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان ، فننظر الذي يأمر به . فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له ذلك ، فقال : وما يدريك أنها رقية ثم قال : اقسموا واضربوا لي معكم سهما . فضحك النبي صلى الله عليه وسلم } . نزلنا بحي من أحياء
فقوله في هذا الحديث : فاستضفناهم فأبوا أن يضيفونا ، ظاهر في أن الضيافة لو كانت حقا للام النبي صلى الله عليه وسلم القوم الذين أبوا وبين ذلك لهم ، ولكن الضيافة حقيقة فرض على الكفاية ، ومن الناس من قال : إنها واجبة في القرى حيث لا طعام ولا مأوى ، بخلاف الحواضر ، فإنها مشحونة بالمأويات والأقوات ، ولا شك أن الضيف كريم ، والضيافة كرامة ، فإن كان عديما فهي فريضة .