الآية الرابعة قوله تعالى : { والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون } .
فيها ست مسائل :
المسألة الأولى : ذكر الله الأنعام في معرض الامتنان ، فساق فيها وجوها من المتاع ، وأنواعا من الانتفاع ، وساق الخيل والبغال والحمير ، فكشف قناعها ، وبين أنتفاعها ، وذلك الركوب والزينة ، كما بين في تلك المتقدمة : الدفء واللبن والأكل . [ ص: 122 ]
قال ابن القاسم : قال وابن وهب : قال الله تعالى : { مالك والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة } فجعلها للركوب والزينة ، ولم يجعلها للأكل ونحوه عن ، ففهم أشهب رحمه الله وجه إيراد النعم ، وما أعد الله له في كل نعمة من الانتفاع ، فاقتصرت كل منفعة على وجه منفعتها التي عين الله له ، ورتبها فيه ، فأما الخيل ، وهي : مالك
المسألة الثانية : فقال : إنها تؤكل ، وعمدته الحديث الصحيح عن الشافعي : { جابر } . وروي أن { نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه ، وحرم لحوم الخيل لحوم الحمر } . النبي صلى الله عليه وسلم أذن في
وقال علماؤنا : كانت هذه الرواية عن حكاية حال ، وقضية في عين ; فيحتمل أن يكونوا ذبحوا لضرورة ، ولا يحتج بقضايا الأحوال المحتملة ، وأما الحمر ، وهي : جابر
المسألة الثالثة : فقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم حرمها يوم خيبر ، واختلف في تحريمها على أربعة أقوال :
الأول : إنما حرمت شرعا .
الثاني : أنها حرمت ; لأنها كانت جوال القرية ، أي تأكل الجلة ، وهي النجاسة .
الثالث : أنها كانت حمولة القوم ; ولذلك روي في الحديث أنه قيل : يا رسول الله ; أكلت الحمر ، فنيت الحمر ; فحرمها . [ ص: 123 ] الرابع : أنها حرمت ; لأنها أفنيت قبل القسم ، فمنع النبي صلى الله عليه وسلم من أكلها ، حتى تقسم .
، وهي : المسألة الرابعة : فإنها تلحق الحمير على كل قول . وأما البغال
فأما إن قلنا إن الخيل لا تؤكل فهي متولدة بين عينين لا يؤكلان ، وإن قلنا : تؤكل الخيل فإنها عين متولدة بين مأكول وبين ما لا يؤكل ; فغلب التحريم على ما يلزم في الأصول .
المسألة الخامسة : في تحقيق المقصود : قد بينا فيما تقدم أن المحرمات مقصورة على ما في سورة الأنعام ، وحققنا ما يتعلق به وينضاف إليه في آيات الأحكام منها ، وقد حررنا في كتب الخلاف أن مدار التحليل والتحريم في المطعومات يدور على ثلاث آيات ، وخبر واحد .
الآية الأولى : قوله : { ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث } .
الآية الثانية : قوله : { حرمت عليكم الميتة } .
الآية الثالثة : آية الأنعام قوله : { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما } .
الرابع الخبر : قوله صلى الله عليه وسلم : { } . أكل كل ذي ناب من السباع حرام
وفي لفظ آخر : { وحرم لحوم الحمر [ ص: 124 ] الأهلية أكل كل ذي ناب من السباع } . نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن
وقوله : { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما } آخر آية نزلت ، كما سبق بيانه ، فإن عولنا عليها فالكل سواها مباح ، وإن رأينا إلحاق غيرها بها حسبما يترتب في الأدلة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : { } . ثم جاءت الزيادة عليها حتى انتهت أسباب إباحة الدم عند المالكية إلى عشرة أسباب ، فالحال في ذلك مترددة ولأجله اختار المتوسطون من علمائنا الكراهية في هذه الحرمات ، توسطا بين الحل والحرمة ; لتعارض الأدلة ، وإشكال مأخذ الفتوى فيها . لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث
وقد قال : الثعلب والضبع حلال ، وهو قد عول على قوله : { الشافعي } ، ولكنه زعم أن الضبع يخرج عنه بحديث يرويه أكل كل ذي ناب من السباع حرام أن { جابر } . النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الضبع أحلال هي ؟ قال : نعم ، وفيها إذا أتلفها المحرم كبش
وفي رواية : هي صيد ، وفيها كبش .
وهذا نص في الاستثناء كما زعم لو صح ، ولكنه لم يثبت سنده ، ولو عولنا عليه لما خصصنا التحليل من جملة السباع بالضبع ، ولكنا نقول : إنه ينبني على قاعدة التحليل ، وأن الكل قد خرج عن التحريم ، وانحصرت المحرمات في آية الأنعام ، وهذه المعارضات هي التي أوجبت اختلاف العلماء ، فانظروها واسبروها ، وما ظهر هو الذي يتقرر والله أعلم .