المسألة السادسة : اتفق العلماء على أن العسل لا زكاة فيه ، وإن كان مطعوما مقتاتا ، ولكنه كما روي في ذكر النحل ذباب غيث ، وكما جاء في العنبر أنه شيء دسره البحر ، فأحدهما يطير في الهواء ، والآخر يطفو على الماء ، وكلاهما في هذا الحكم سواء ، وقد خص الله الزكاة بما خصها من الأموال المقتاتة ، والأعيان النامية ، حسبما بيناه منها في مواضعها فليقف عندها .
وقد روى عن مالك أنه قال : جاء كتاب من عبد الله بن أبي بكر بن حزم إلى أبي ، وهو عمر بن عبد العزيز بمنى ، ألا يأخذ من العسل ولا من الخيل صدقة . وقد قال علماؤنا : إن العسل طعام يخرج من حيوان فلم يجب فيه الزكاة كاللبن [ ص: 140 ] وليس هذا بشيء ; فإن الأصل الذي يخرج منه اللبن عين زكاتية ، وقد قضى حق النعمة فيه وحاز الاستيفاء لمنافعها ، بخلاف العسل ، فإنه لا زكاة في أصله ، فلا يصح اعتباره باللبن . وقد قال : تجب أبو حنيفة ، محتجا بما روي { الزكاة في العسل } . والحديث لا أصل له ، اللهم إلا أن أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من العسل العشر سعد بن أبي ذباب روى عنه أنه قال : { } ، ثم استعملني قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ; اجعل لقومي ما أسلموا عليه من أموالهم ، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم واستعملني عليهم أبو بكر قال : فكلمت قومي في العسل ، فقلت لهم : زكوه ، فإنه لا خير في ثمرة لا تزكى . قالوا : كم ؟ فقلت : العشر . فأخذت منهم العشر ، فأتيت وعمر فأخبرته ، فقبضه ، وباعه ، وجعله في صدقات المسلمين . عمر
فإن صح هذا كان بطواعيتهم صدقة نافلة ، وليس كلامنا في ذلك ، وإنما نحن في فرض أصل الصدقة عليه ، ولم يثبت ذلك فيه ، وفيما ذكرناه كفاية والله أعلم .