فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : قوله : { هزي إليك بجذع النخلة } أمر بتكلف الكسب في الرزق ، وقد كانت قبل ذلك يأتيها رزقها من غير تكسب ، كما قال تعالى : { كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب } . قال علماؤنا : كان قلبها فارغا لله ، ففرغ الله جارحتها عن النصب ، فلما ولدت عيسى ، وتعلق قلبها بحبه ، وكلها الله إلى كسبها ، وردها إلى العادة في التعلق بالأسباب ، وفي معناه أنشدوا :
ألم تر أن الله قال لمريم إليك فهزي الجذع يساقط الرطب ولو شاء أحنى الجذع من غير هزها
إليها ولكن كل شيء له سبب وقد كان حب الله أولى برزقها
كما كان حب الخلق أدعى إلى النصب
المسألة الثانية : في صفة الجذع قولان :
أحدهما : أنه كان لنخلة خضراء ، ولكنه كان زمان الشتاء ، فصار وجود التمر في غير إبانه آية .
[ ص: 250 ] الثاني : أنه كان جذعا يابسا فهزته ، فاخضر وأورق وأثمر في لحظة .
ودخلت بيت لحم سنة خمس وثمانين وأربعمائة ، فرأيت في متعبدهم غارا عليه جذع يابس كان رهبانهم يذكرون أنه جذع مريم بإجماع ، فلما كان في المحرم سنة اثنتين وتسعين دخلت بيت لحم قبل استيلاء الروم عليه لستة أشهر ، فرأيت الغار في المتعبد خاليا من الجذع . فسألت الرهبان به ، فقالوا : نخر وتساقط ، مع أن الخلق كانوا يقطعونه استشفاء حتى فقد .
المسألة الثالثة : قال : قال ابن وهب : قال الله : رطبا جنيا . الجني : ما طاب من غير نقش ولا إفساد ، والنقش أن ينقش في أسفل البسرة حتى ترطب ، فهذا مكروه يعني مالك أن هذا تعجيل للشيء قبل رقته ، وإفساد لجناه ; فلا ينبغي لأحد أن يفعله ، ولو فعله فاعل ما كان ذلك مجوزا لبيعه ، ولا حكما بطيبه ، وقد تقدم شيء من ذلك في سورة الأنعام . مالك