المسألة العاشرة : في ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا } فيه أربعة أقوال : الأول : أنها نزلت في تمام المعنى في الآية من قوله تعالى : { بني كنانة ; كان الرجل منهم يحرم على نفسه أن يأكل وحده ، حتى إن الرجل ليقيم على الجوع حتى يجد من يؤاكله ، وكانت هذه السيرة موروثة [ عندهم ] عن إبراهيم صلى الله عليه وسلم فإنه كان لا يأكل إلا مع غيره .
الثاني : أنها نزلت في قوم من العرب كانوا إذا نزل بهم ضيف تحرجوا عن أن يأكل وحده حتى يأكلوا معه .
الثالث : أنها نزلت في قوم كانوا يتحرجون أن يأكلوا جميعا ، ويقول الرجل : آكل وحدي . [ ص: 426 ] الرابع : أنها نزلت في المسافرين يخلطون أزودتهم ، فلا يأكل حتى يأتي الآخر ، فأبيح ذلك لهم .
وهذا القول تضمن جميع ذلك ، فيجوز للرجل أن يأكل مع الآخر ، وللجماعة ، وإن كان أكلهم لا ينضبط ، فقد يأكل الرجل قليلا والآخر كثيرا ، وقد يأكل البصير أكثر مما يأكل الأعمى ، فنفى الله الحرج عن ذلك كله ، وأباح للجميع الاشتراك في الأكل على المعهود ، ما لم يكن قصدا إلى الزيادة ، على ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم { ابن عمر } . نهى عن القران في التمر إلا أن يستأذن الرجل أخاه
وهذا هو النهد الذي يجتمع عليه القوم ، وسواء كان مشترى منهم ، أو كان بخلطهم له فيما بينهم ، فإن كان طعام ضيافة أو وليمة فلا يلزم ذلك فيه ; لأن كل واحد منهم يأكل من مال غيره ; لا سيما ونحن نقول : إن طعام الضيافة والوليمة يأكله الحاضرون على ملك صاحبه على أحد القولين ، وهو الصحيح ، حسبما بيناه في أصول الفقه ; ولذلك لم تجز التغدية والتعشية عندنا في طعام الكفارة على ما بيناه في موضعه .
وقد روى في النهد حديث البخاري أبي عبيدة في جمع الأزواد ، وكان يغديهم كل يوم تمرة تمرة . وحديث في نحر الإبل ومنعه من ذلك ، وجمع النبي صلى الله عليه وسلم أزواد الجيش ، وبرك عليها ، ثم احتثى كل أحد في مزوده ووعائه من غير تسوية ، حتى فرغوا ، واشتقاقه من الخروج ، يقال : نهد ثدي المرأة ، ونهد القوم لغزوهم ، ونهد الجماعة : إذا أخرجوا طعاما أو مالا ، ثم جمعوه ، وأكلوا أو أنفقوا منه . عمر