قوله تعالى : وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين } . {
فيها أربع مسائل : المسألة الأولى : في سبب تفقده قولان : أحدهما : أن الطير كانت تظل سليمان من الشمس حتى تصير عليه صافات ، كالغمامة ، فطار الهدهد عن موضعه ، فأصابت الشمس سليمان ، فتفقده حينئذ .
الثاني : أن الهدهد كان يرى تحت الأرض الماء ، فكان ينزل بجيشه ، ثم يقول للهدهد : انظر بعد الماء من قربه ، فيشير له إلى بقعة ، فيأمر الجن فتسلخ الأرض سلخ الأديم ، حتى تبلغ الماء ، فيستقي ويسقي .
[ ص: 479 ] المسألة الثانية : قال سليمان : ما لي لا أرى الهدهد . ولم يقل : ما للهدهد لا أراه ، قال لنا أبو سعيد محمد بن طاهر الشهيد : قال لنا جمال الإسلام وشيخ الصوفية أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن : إنما قال : [ مالي لا أرى الهدهد ] ; لأنه اعتبر حال نفسه ؟ إذ علم أنه أوتي الملك العظيم ، وسخر له الخلق ، فقد لزمه حق الشكر بإقامة الطاعة وإدامة العمل . فلما فقد نعمة الهدهد توقع أن يكون قصر في حق الشكر ، فلأجله سلبها ، فجعل يتفقد نفسه ، فقال : مالي ، وكذلك تفعل شيوخ الصوفية إذا فقدوا آمالهم تفقدوا أعمالهم . هذا في الآداب ، فكيف بنا اليوم ، ونحن نقصر في الفرائض ، المسألة الثالثة : قال علماؤنا : هذا يدل من سليمان على تفقده أحوال الرعية ، والمحافظة عليهم ، فانظروا إلى الهدهد وإلى صغره فإنه لم يغب عنه حاله ، فكيف بعظائم الملك ؟ ويرحم الله ، فإنه كان على سيرته قال : " لو أن سخلة بشاطئ الفرات أخذها الذئب ليسأل عنها عمر ، فما ظنك بوال تذهب على يديه البلدان ، وتضيع الرعية ، وتضيع الرعيان ، عمر
المسألة الرابعة :
قال ابن الأزرق وقد سمعه يذكر شأن الهدهد هذا : قف يا وقاف . لابن عباس
. كيف يرى الماء تحت الأرض ، ولا يرى الحبة في الفخ
فقال له بديهة : إذا نزل القدر عشي البصر . ولا يقدر على هذا الجواب إلا عالم القرآن وقد أنشدني ابن عباس محمد بن عبد الملك التنيسي الواعظ عن الشيخ أبي الفضل الجوهري في هذا المعنى : [ ص: 480 ]
إذا أراد الله أمرا بامرئ وكان ذا عقل وسمع وبصر وحيلة يعملها في دفع ما
يأتي به مكروه أسباب القدر غطى عليه سمعه وعقله
وسله من ذهنه سل الشعر حتى إذا أنفذ فيه حكمه
رد عليه عقله ليعتبر