الآية السادسة
قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل } .
اعلموا ، علمكم الله الاجتهاد ، وحفظ سبيل الاعتقاد أن هذه الآية لم يذكرها
القاضي أبو إسحاق في كتاب الأحكام ، مع أن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا قد ذكرها ، وهذه غفلة لا تليق بمنصبه ، وفيها أحاديث كثيرة ، وآثار من جنس ما ذكرناه في غيرها ، ونحن نحلب درها ، وننظم دررها ، ونشد مئزرها إن شاء الله ، وفيها ثلاثون مسألة :
المسألة الأولى : قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27إني أريد أن أنكحك } فيه
nindex.php?page=treesubj&link=25319عرض المولى وليته على الزوج ، وهذه سنة قائمة : عرض صالح
مدين ابنته على
[ ص: 495 ] صالح
بني إسرائيل ، وعرض
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ابنته
حفصة على
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان رضي الله عنهما ، وعرضت الموهوبة نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم .
فأما حديث
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر فرواه
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر حين {
nindex.php?page=hadith&LINKID=18025تأيمت nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة ، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شهد بدرا ، وتوفي بالمدينة قال : فلقيت nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان ، فعرضت عليه حفصة ، فقلت : إن شئت أنكحتك nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة بنت عمر . فقال : سأنظر في أمري ، فلبثت ليالي ، ثم لقيني ، فقال : قد بدا لي ألا أتزوج يومي هذا . قال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : فلقيت nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر الصديق ، فقلت : إن شئت أنكحتك nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة بنت عمر . فصمت أبو بكر ، فلم يرجع إلي شيئا ، فكنت عليه أوجد مني على عثمان ، فلبثت ليالي ، ثم خطبها النبي صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه ، فلقيني أبو بكر فقال : لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئا ، فقلت : نعم . فقال : إنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي إلا أني كنت علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكرها ، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولو تركها النبي صلى الله عليه وسلم لقبلتها } .
وأما حديث الموهوبة فروى
nindex.php?page=showalam&ids=31سهل بن سعد الساعدي قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12860 : إني لفي القوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءت امرأة ، فقالت : يا رسول الله ; جئت أهب لك نفسي ، فرأيك . فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد النظر فيها وصوبه ، ثم طأطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه ، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست وقال رجل من أصحابه : يا رسول الله ; إن لم تكن لك بها حاجة فزوجنيها . فقال : هل عندك من شيء ؟ فقال : لا والله يا رسول الله . فقال : اذهب إلى أهلك فانظر لعلك تجد شيئا . فذهب ورجع فقال : لا والله ما وجدت شيئا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انظر ولو خاتما من حديد . فذهب ثم رجع فقال : لا والله يا رسول الله ولا خاتما من حديد . ولكن هذا إزاري قال سهل : ما له رداء فلها نصفه . [ ص: 496 ] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما تصنع بإزارك ؟ إن لبسته لم يكن عليها منه شيء ، وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء فجلس الرجل حتى طال مجلسه ، ثم قام فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم موليا ، فأمر به فدعي ، فلما جاء قال : ما معك من القرآن ؟ قال : معي سورة كذا وسورة كذا ، لسور عددها . قال : تقرأهن عن ظهر قلبك ؟ قال : نعم . قال : اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن } . وفي رواية : " زوجتكها " . وفي أخرى : " أنكحتكها " . وفي رواية : " أمكناكها " . وفي رواية : " ولكن اشقق بردتي هذه ، أعطها النصف وخذ النصف " .
فمن الحسن
nindex.php?page=treesubj&link=25319عرض الرجل وليته والمرأة نفسها على الرجل الصالح اقتداء بهذا السلف الصالح .
الْآيَةُ السَّادِسَةُ
قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27قَالَ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاَللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ } .
اعْلَمُوا ، عَلَّمَكُمْ اللَّهُ الِاجْتِهَادَ ، وَحِفْظَ سَبِيلَ الِاعْتِقَادِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَمْ يَذْكُرْهَا
الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ ، مَعَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكًا قَدْ ذَكَرَهَا ، وَهَذِهِ غَفْلَةٌ لَا تَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ ، وَفِيهَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ ، وَآثَارٌ مِنْ جِنْسِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي غَيْرِهَا ، وَنَحْنُ نَحْلُبُ دَرَّهَا ، وَنَنْظِمُ دُرَرَهَا ، وَنَشُدُّ مِئْزَرَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَفِيهَا ثَلَاثُونَ مَسْأَلَةً :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَك } فِيهِ
nindex.php?page=treesubj&link=25319عَرْضُ الْمَوْلَى وَلِيَّتَهُ عَلَى الزَّوْجِ ، وَهَذِهِ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ : عَرَضَ صَالِحُ
مَدْيَنَ ابْنَتَهُ عَلَى
[ ص: 495 ] صَالِحِ
بَنِي إسْرَائِيلَ ، وَعَرَضَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ابْنَتَهُ
حَفْصَةَ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=7وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَعَرَضَتْ الْمَوْهُوبَةُ نَفْسَهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فَأَمَّا حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ فَرَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ حِينَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=18025تَأَيَّمَتْ nindex.php?page=showalam&ids=41حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا ، وَتُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ قَالَ : فَلَقِيت nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ ، فَعَرَضْت عَلَيْهِ حَفْصَةَ ، فَقُلْت : إنْ شِئْت أَنْكَحْتُك nindex.php?page=showalam&ids=41حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ . فَقَالَ : سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي ، فَلَبِثْت لَيَالِيَ ، ثُمَّ لَقِيَنِي ، فَقَالَ : قَدْ بَدَا لِي أَلَّا أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا . قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ : فَلَقِيت nindex.php?page=showalam&ids=1أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ ، فَقُلْت : إنْ شِئْت أَنْكَحْتُك nindex.php?page=showalam&ids=41حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ . فَصَمَتَ أَبُو بَكْرٍ ، فَلَمْ يُرْجِعْ إلَيَّ شَيْئًا ، فَكُنْت عَلَيْهِ أَوْجَدُ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ ، فَلَبِثْت لَيَالِيَ ، ثُمَّ خَطَبَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْكَحْتهَا إيَّاهُ ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ : لَعَلَّك وَجَدْت عَلِيَّ حِينَ عَرَضْت عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أُرْجِعْ إلَيْك شَيْئًا ، فَقُلْت : نَعَمْ . فَقَالَ : إنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أُرْجِعَ إلَيْك فِيمَا عَرَضْت عَلَيَّ إلَّا أَنِّي كُنْت عَلِمْت أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ذَكَرَهَا ، فَلَمْ أَكُنْ لَأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَلَوْ تَرَكَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَبِلْتهَا } .
وَأَمَّا حَدِيثُ الْمَوْهُوبَةِ فَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=31سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ قَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12860 : إنِّي لَفِي الْقَوْمِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ جَاءَتْ امْرَأَةٌ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ; جِئْت أَهَبُ لَك نَفْسِي ، فَرَأْيَك . فَنَظَرَ إلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَعَّدَ النَّظَرَ فِيهَا وَصَوَّبَهُ ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ ، فَلَمَّا رَأَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ; إنْ لَمْ تَكُنْ لَك بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا . فَقَالَ : هَلْ عِنْدَك مِنْ شَيْءٍ ؟ فَقَالَ : لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَقَالَ : اذْهَبْ إلَى أَهْلِك فَانْظُرْ لَعَلَّك تَجِدُ شَيْئًا . فَذَهَبَ وَرَجَعَ فَقَالَ : لَا وَاَللَّهِ مَا وَجَدْت شَيْئًا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اُنْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ . فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ : لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ . وَلَكِنَّ هَذَا إزَارِي قَالَ سَهْلٌ : مَا لَهُ رِدَاءٌ فَلَهَا نِصْفُهُ . [ ص: 496 ] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِك ؟ إنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ ، وَإِنْ لَبِسْته لَمْ يَكُنْ عَلَيْك مِنْهُ شَيْءٌ فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ ، ثُمَّ قَامَ فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَلِّيًا ، فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ : مَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ ؟ قَالَ : مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا ، لِسُوَرٍ عَدَّدَهَا . قَالَ : تَقْرَأُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِك ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ } . وَفِي رِوَايَةٍ : " زَوَّجْتُكهَا " . وَفِي أُخْرَى : " أَنْكَحْتُكهَا " . وَفِي رِوَايَةٍ : " أَمْكَنَّاكَهَا " . وَفِي رِوَايَةٍ : " وَلَكِنْ اُشْقُقْ بُرْدَتِي هَذِهِ ، أَعْطِهَا النِّصْفَ وَخُذْ النِّصْفَ " .
فَمِنْ الْحُسْنِ
nindex.php?page=treesubj&link=25319عَرْضُ الرَّجُلِ وَلِيَّتَهُ وَالْمَرْأَةِ نَفْسَهَا عَلَى الرَّجُلِ الصَّالِحِ اقْتِدَاءً بِهَذَا السَّلَفِ الصَّالِحِ .