قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا } .
فيها أحكام وسير ، وقد ذكرها ، وتكلم عليها ، وهي متضمنة مالك الخندق ، والأحزاب ، وبني قريظة ، وكانت حال شدة ، معقبة بنعمة ، ورخاء وغبطة ، وذلك مذكور في تسع عشرة آية ، ويقتضي مسائل ثلاثا : غزوة
المسألة الأولى : قال : سمعت ابن وهب يقول : { مالكا المدينة ، وذلك قوله : { إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر } قال : ذلك يوم الخندق } ، جاءت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتال من قريش من هاهنا ، واليهود من هاهنا ، والنجدية من هاهنا ، يريد أن الذين جاءوا من فوقهم مالك بنو قريظة ، ومن أسفل منهم قريش وغطفان .
قال ، ابن وهب وابن القاسم : كانت وقعة الخندق سنة أربع ، وهي وبنو قريظة في يوم واحد ، وبين بني قريظة والنضير أربع سنين .
وقال : كانت غزوة ابن إسحاق الخندق سنة خمس . [ ص: 544 ] قال : قال ابن وهب : بلغني أن مالك عبد الله بن أبي ابن سلول قال في لسعد بن معاذ بني قريظة حين نزلت على حكم ، وجاء ليحكم فيهم ، وهو على أتان ، فمر به حتى لقيه سعد عبد الله بن أبي المنافق قال : أنشدتك الله يا في إخواني وأنصاري ، ثلاثمائة فارس وستمائة راجل ، فإنهم جناحي ، وهم مواليك وحلفاؤك . سعد
فقال : قد آن سعد ألا تأخذه في الله لومة لائم ، فحكم فيهم لسعد أن تقتل مقاتلتهم ، وتسبى ذراريهم . سعد
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { بحكم الملك سعد } . زاد غيره : من فوق سبعة أرقعة . لقد حكم فيهم
{ إلى ثابت بن قيس بن شماس ابن باطا ، وكانت له عنده يد ، وقال : قد استوهبتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدك التي لك عندي . قال : كذلك يفعل الكريم بالكريم . ثم قال : وكيف يعيش رجل لا ولد له ولا أهل ؟ قال : فأتى ثابت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فأعطاه أهله وولده . فأتاه فأعلمه ذلك ، فقال : وكيف يعيش رجل لا مال له ، فأتى ثابت النبي صلى الله عليه وسلم فطلبه ، فأعطاه ماله . فرجع إليه فأخبره ، فقال : ما فعل ابن أبي الحقيق الذي كأن وجهه مرآة صينية ؟ قال : قتل . فما فعل المجلسان يعني بني كعب بن قريظة ، وبني عمرو بن قريظة ؟ قال : قتلوا . قال : فما فعلت القينتان ؟ قال : قتلتا . قال : برئت ذمتك ، ولن أصب فيها دلوا أبدا يعني النخل فألحقني بهم ، فأبى أن يقتله وقتله غيره } . فأتى
واليد التي كانت لابن باطا عند ثابت أنه أسره يوم بعاث فجز ناصيته وأطلقه .
وكذلك قال ابن القاسم عنه . وقال عنه : { ابن وهب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين توفي : نخشى أن نغلب عليك ، كما غلبنا على سعد . قال : وكان قد أصيب في أكحله ، فانتقله النبي صلى الله عليه وسلم إليه . حنظلة }
{ مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم عائشة الخندق ، وذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعاهد ثغرة من الجبل يحافظ عليها ، ثم يزلفه البرد ذلك اليوم ، فيأتي فيضطجع في حجري ، ثم [ ص: 545 ] يقوم ، فسمعت حس رجل عليه حديد وقد أسند في الجبل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من هذا ؟ فقال : ، جئتك لتأمرني بأمرك . فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت في تلك الثغرة قالت سعد بن أبي وقاص : ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجري حتى سمعت غطيطه ، وكانت عائشة لا تنساها عائشة قال لسعد : وانصرف النبي صلى الله عليه وسلم من آخر النهار ، فاغتسل ، فأتاه مالك جبريل عليه السلام قال : أوضعت اللأمة أو لم تضعها ؟ إن الله يأمرك أن تخرج إلى بني قريظة قال ابن القاسم عنه : وقسم قريظة سهمانا ، فأما النضير فقسمها للمهاجرين الأولين ، ولثلاثة نفر من الأنصار ; وهم ، سهل بن حنيف وأبو دجانة ، والحارث بن الصمة قال : وكانت مالك النضير خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب قال : قال ابن وهب : وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين يوم مالك الخندق وهم يرتجزون :
اللهم إلا خير الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا خير إلا خير الآخرة ، فاغفر للمهاجرة والأنصار . } وكانتقال أبو بكر : أشهد أنك رسول الله . قال الله تعالى : { وما علمناه الشعر وما ينبغي له } .
وعن ابن القاسم مثله . وقال : لم يستشهد يوم مالك الخندق من المسلمين إلا أربعة أو خمسة .
قال القاضي : قال علماؤنا : استشهد يوم الخندق من المسلمين ستة نفر : ، سعد بن معاذ وأنس بن أوس بن عتيك بن عمرو ، وعبد الله بن سهل ثلاثة نفر . ومن بني جشم بن الخزرج ثم من بني سلمة : الطفيل بن النعمان ، وثعلبة بن غنمة رجلان من بني سلمة ، وكعب بن زيد من بني النجار . [ ص: 546 ] وقتل من الكفار ثلاثة : منبه بن عثمان بن عبيد بن السباق بن عبد الدار ، ونوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي وكان اقتحم الخندق فتورط فيه ، فقتل . فغلب المسلمون على جسده ، فروي عن الزهري أنهم أعطوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في جسده عشرة آلاف درهم ، فقال : لا حاجة لنا بجسده ولا بثمنه . فخلى بينهم وبينه .
وعمرو بن عبد ود قتله في المبارزة ، اقتحم عن فرسه فعقره ، وضرب وجهه ، ثم أقبل على علي فتنازلا ، فغلبه علي ، وقال علي بن أبي طالب في ذلك : علي بن أبي طالب
نصر الحجارة من سفاهة رأيه ونصرت رب محمد بصواب
فصددت حين تركته متجدلا كالجذع بين دكادك وروابي
وعففت عن أثوابه ولو أنني كنت المقطر بزني أثوابي
لا تحسبن الله خاذل دينه ونبيه يا معشر الأحزاب
قال : وسمعت ابن وهب يقول : { مالكا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ، محمد بن مسلمة الأنصاري وعباد بن بشير ، وأبا عباس الحارثي ، ورجلين آخرين إلى كعب بن الأشرف اليهودي ليقتلوه ، فبلغني أنهم قالوا : يا رسول الله ; أتأذن لنا أن ننال منك إذا جئناه . فأذن لهم فخرجوا نحوه ليلا ، فلما جاءوا ونادوه ليطلع إليهم ، وكان بين عباد بن بشير وبين ابن الأشرف رضاع ، فقالت له امرأته : لا تخرج إليهم ، فإني أخاف عليك . فقال : والله لو كنت نائما ما أيقظوني فخرج إليهم ، فقال : ما شأنكم ؟ فقالوا : جئنا لتسلفنا شطر وسق من تمر ، ووقعوا في النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أما والله لقد كنت نهيتكم عنه ، ثم قال بعضهم : إنا لنجد منك ريح عبير قال : فأدنى إليهم رأسه ، وقال : شموا ، فذلك حين ابتدروه فقتلوه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة : إني لأجد ريح دم كافر } .