المسألة الخامسة عشرة : 
قد بينا كيف وقع التخيير في هذه الآية ، ومسألة التخيير طويلة عريضة ، لا يستوفيها إلا الإطناب بالتطويل مع استيفاء التفصيل ، وذلك لا يمكن في هذه العجالة ، وبيانه في كتب الفقه ، فنشير منه الآن إلى طرفين : 
أحدهما : إذا خير الرجل امرأته فاختارته    .  [ ص: 563 ] 
الثاني : إذا اختارت نفسها . أما الطرف الأول إذا اختارت زوجها ، وقد اختلف العلماء فيه ; فذهب  ابن عمر   وابن مسعود  ، وعائشة  ،  وابن عباس  ، وإحدى روايتي  زيد  ،  وعلي  ، إلى أنه لا يقع شيء . 
وذهب إلى أنها طلقة رجعية  علي   وزيد  في الرواية الأخرى ، والحسن  ،  وربيعة  ، وتعلقوا بأن قوله : " اختاري " كناية عن إيقاع الطلاق ; فإذا أضافه إليها وقعت طلقة ، كقوله ، أنت بائن . 
ودليلنا قول  عائشة    : خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه . أفكان ذلك طلاقا ، فإن قيل : قد قلتم : إن تخيير  عائشة  لم يكن بين الزوجية والفراق ، وإنما كان بين البقاء فيمسك ، وبين الفراق فيستأنف إيقاعه ، وإذا كان هذا هكذا عندكم فلا حجة فيه علينا منكم . 
قلنا : كذلك قلنا ، وكذلك كان . وقولكم : لا حجة فيه ليس كذلك ; بل حجته ظاهرة ; لأنكم قد قلتم : إنها كناية ، فكان من حقكم أن تقولوا : إنه يقع الطلاق بهذا أيضا . 
فإذا قلتم في هذه الصورة : إنه لا يقع ، كانت الأخرى مثلها ; لأنهما كنايتان ، فلو لزم الطلاق بإحداهما لزم بالأخرى ; لأن لا فرق بينهما . 
وبهذا احتجت عائشة  رضي الله عنها لسعة علمها ، وعظيم فقهها . 
وقولهم : إنها إيقاع باطل ، وإنما هو تخيير بينه وبين فراقه ، وهما ضدان ، ليس اختيار أحدهما اختيارا للثاني بحال . 
وأما الطرف الثاني : وهو إذا اختارت الفراق فيها ثلاثة أقوال : الأول : أنها ثلاث من غير نية ولا بينونة . فإن كان قبل الدخول فله ما نوى . هذا مذهب  مالك  ، وبه قال  الليث  ، والحسن البصري  ،  وزيد بن ثابت    . 
الثاني : روي عن  علي  أنها واحدة بائنة من غير نية ولا مبتوتة ، وهو مذهب  أبي حنيفة    .  [ ص: 564 ] الثالث : قال  الشافعي    : لا يقع الطلاق إلا إذا نوياه جميعا ، ولا يقع منه إلا ما اتفقا عليه جميعا ، فإن اختلفا وقع الأقل ، وبطل الأكثر . 
ودليلنا أن المقتضي لقوله : " اختاري " ألا يكون له عليه سبيل ، ولا يملك منها شيئا ; إذ قد جعل إليها أن تخرج ما يملكه منها عنه أو تقيم معه ، فإذا أخرجت البعض لم يعمل بمقتضى اللفظ ، وكان بمنزلة من خير بين شيئين فاختار غيرهما . 
واحتج  أبو حنيفة  بأن الزوج علق الطلاق بخبر من جهتها  ، وذلك لا يفتقر إلى نيتها ، كما لو قال : إن دخلت الدار فأنت طالق  فإنه إذا وقع الطلاق لم يقع إلا واحدة كخيار المعتقة . 
الجواب : إنا نقول : أما اعتبار نيتها فلا بد منه ; لأنها موقعة للطلاق بمنزلة الوكيل ، ولا يصح أن يقال : إنه يتعلق بفعلها ; ألا ترى أنها لو اختارت زوجها لم يكن شيء ، فثبت أنه توكيل ونيابة ، وأما خيار المعتقة فلا نسلمه ، بل هو ثلاث . 
واحتج  الشافعي  بأنه لم يقترن به لفظ الثلاث ولا نيتها . 
الجواب : إما نقول : قد اقترن به لفظها كما بيناه . 
				
						
						
