المسألة الثالثة عشرة فاستغفر ربه } : اختلف المفسرون في الذنب الذي استغفر منه على أقوال : الأول : قيل : إنه نظر إلى المرأة حتى شبع منها . قوله تعالى : {
الثاني : أنه أغزى زوجها في حملة التابوت .
الثالث : أنه نوى إن مات زوجها أن يتزوجها .
الرابع أنه حكم لأحد الخصمين من قبل أن يسمع من الآخر .
قال القاضي : قد بينا أن الأنبياء معصومون على الصفة المتقدمة من الذنوب المحدودة على وجه بين ، فأما من قال : إنه حكم لأحد الخصمين قبل أن يسمع من الآخر فلا يجوز ذلك على الأنبياء ، وكذلك تعريض زوجها للقتل كما قدمنا تصوير للحق على روح الباطل ، والأعمال بالنيات .
وأما من قال : إنه نظر إليها حتى شبع فلا يجوز ذلك عندي بحال ; لأن طموح البصر [ ص: 47 ] لا يليق بالأولياء المتجردين للعبادة ، فكيف بالأنبياء الذين هم الوسائط المكاشفون بالغيب ، وقد بيناه في موضعه .
وروى أشهب عن قال : بلغني أن تلك الحمامة أتت فوقفت قريبا من مالك داود ، وهي من ذهب ، فلما رآها أعجبته ، فقام ليأخذها ، ففرت من يده ، ثم صنع مثل ذلك مرتين ، ثم طارت فأتبعها بصره ، فوقعت عينه على تلك المرأة وهي تغتسل ، ولها شعر طويل ، فبلغني أنه أقام أربعين ليلة ساجدا حتى نبت العشب من دموع عينيه ، فأما النظرة الثانية فلا أصل لها .
وقد روي عن أنه قال : لا يبلغني عن أحد أنه يقول : إن علي داود عليه السلام ارتكب من تلك المرأة محرما إلا جلدته مائة وستين سوطا ، فإنه يضاعف له الحد حرمة للنبي صلى الله عليه وسلم ; وهذا مما لا يصح عنه .
فإن قيل : فما حكمه عندكم ؟ قلنا : أما من قال إن نبيا زنى فإنه يقتل . وأما من نسب إليه دون ذلك من النظرة والملامسة فقد اختلف نقل الناس في ذلك ، فإن صمم أحد على ذلك فيه ونسبه إليه فإنه يناقض التعزير المأمور به .
وأما قولهم : إنه نوى إن مات زوجها أن يتزوجها فلا شيء فيه ; إذا لم يعرضه للموت ، وبعد هذا فإن الذنب الذي أخبر الله عنه هو سؤاله زوجة وعدم القناعة بما كان من عدد النساء عنده ; والشهوة لا آخر لها ، والأمل لا غاية له ; فإن متاع الدنيا لا يكفي الإنسان وحده في ظنه ، ويكفيه الأقل منه ; والذي عتب الله فيه على داود تعلق باله إلى زوج غيره ، ومد عينه إلى متاع سواه حسبما نص الله عنه .
وقد قال بعضهم : إنه خطب على خطبة أوريا فمال إليها ، ولم يكن بذلك عارفا ، وهذا باطل يرده القرآن والآثار التفسيرية كلها .