الآية الثانية قوله تعالى . { واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم    }    . 
فيها ثلاث مسائل : المسألة الأولى : قوله : { حين تقوم    } فيه أربعة أقوال : الأول : المعنى فيه حين تقوم من المجلس ليكفره . 
الثاني : حين تقوم من النوم ، ليكون مفتتحا به كلامه . 
الثالث : حين تقوم من نوم القائلة ، وهي الظهر . 
الرابع : التسبيح في الصلاة . 
المسألة الثانية : أما قول من قال : إن معناه حين تقوم من المجلس فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من جلس مجلسا يكثر فيه لغطه ، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك : سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت ، وأستغفرك ، وأتوب إليك إلا غفر الله له ما كان في مجلسه ذلك   } . وهذا الحديث معلول . جاء  مسلم بن الحجاج  إلى  محمد بن إسماعيل البخاري  فقبل بين عينيه ، وقال : دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين ، وطبيب الحديث في علله ، حدثك محمد بن سلام  ، حدثنا مخلد بن يزيد  ، أخبرنا  ابن جريج  ، حدثني  موسى بن عقبة  عن  سهيل  عن أبيه عن  أبي هريرة  عن النبي صلى الله عليه وسلم في كفارة المجلس فما علته ؟ قال محمد بن إسماعيل    : هذا حديث مليح ، ولا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث الواحد ، إلا أنه معلول . 
حدثنا محمد بن إسماعيل  ، أنبأنا وهيب  ، أنبأنا  سهيل  عن  عون بن عبد الله  ، قوله قال  [ ص: 141 ] أنبأنا محمد بن إسماعيل  هذا أولى ، فإنه لا يذكر  لموسى بن عقبة  سماع من  سهيل    . 
قال القاضي  ابن العربي    : أراد  البخاري  أن حديث  عون بن عبد الله  من قوله حمله سهيل على هذا الحديث حتى تغير حفظه بآخرة ; فهذه معان لا يحسنها إلا العلماء بالحديث ، فأما أهل الفقه فهم عنها بمعزل . 
والحديث الصحيح في هذا المعنى ما روى  ابن عمر  قال {   : كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد قبل أن يقوم مائة مرة : رب اغفر لي وتب علي   } . 
وأما قوله حين يقوم يعني من الليل ففي ذلك روايات كثيرة : في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال {   : من تعار من الليل فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، سبحان الله وبحمده ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم   } وفي بعض روايات سقوط التهليل . 
الثاني وروي عنه { أنه قرأ العشر الخواتم من سورة آل عمران   } . 
وروي عنه أنه كان يقول : { اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة ، وأنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلفوا فيه من الحق ، فإنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم   } . 
وأما نوم القائلة فليس فيه أثر ، وهو يلحق بنوم الليل ، ويدخل فيه الصبح لنوم الليل ، والظهر لنوم القائل ، وهو أصل التسبيح . 
وأما من قال : إنه تسبيح الصلاة فهو أفضله ، والآثار في ذلك كثيرة ، أعظمها ما ثبت عن  علي بن أبي طالب  عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه كان إذا قام للصلاة المكتوبة رفع يديه حذو منكبيه ، ويصنع ذلك إذا قضى قراءته وأراد أن يركع ، ويضعها إذا رفع رأسه من الركوع ، ولا يرفع يديه في شيء من صلاته وهو قاعد ، وإذا قام من السجدتين رفع يديه كذلك وكبر ويقول حين يفتتح الصلاة بعد التكبير : وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ; إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين  [ ص: 142 ] لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت سبحانك أنت ربي ، وأنا عبدك ظلمت نفسي ، واعترفت بذنبي ، فاغفر لي ذنوبي جميعا ، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، واهدني لأحسن الأخلاق ، لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عني سيئها ، لا يصرف عني سيئها إلا أنت ، لبيك وسعديك ، والخير كله في يديك والشر ليس إليك ، وإنا بك وإليك لا منجى منك ، ولا ملجأ إلا إليك ، أستغفرك وأتوب إليك   } . 
وفي الصحيح عن  عبد الله بن عمر  عن  أبي بكر الصديق  أنه { قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ; علمني دعاء أدعو به في صلاتي . فقال : قل رب إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ، وإني أعلم أنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لي من عندك ، وارحمني ، إنك أنت الغفور الرحيم   } . 
				
						
						
