المسألة الثالثة استدل علماؤنا بقوله تعالى : { ذلك يوم التغابن } على أنه لا يجوز ; لأن الله تعالى خصص التغابن بيوم القيامة ، فقال : { الغبن في معاملة الدنيا ذلك يوم التغابن } ; وهذا الاختصاص يفيد أنه لا غبن في الدنيا ، فكل فإنه مردود إذا زاد على الثلث ، واختاره من اطلع على غبن في مبيع البغداديون ، واحتجوا عليه بوجوه ; منها قوله صلى الله عليه وسلم لحبان بن منقذ { } . وهذا فيه نظر طويل بيناه في مسائل الخلاف . نكتته أن الغبن في الدنيا ممنوع بإجماع في حكم الدنيا ; إذ هو من باب الخداع المحرم شرعا في كل ملة ، لكن اليسير منه لا يمكن الاحتراز منه لأحد فمضى في البيوع ; إذ لو حكمنا برده ما نفذ بيع أبدا ، لأنه لا يخلو منه ، حتى إذا كان كثيرا أمكن الاحتراز منه ، فوجب الرد به . : إذا بايعت فقل لا خلابة ، ولك الخيار ثلاثا
والفرق بين القليل والكثير أصل في الشريعة معلوم ، فقدر علماؤنا الثلث لهذا الحد ; إذ رأوه حدا في الوصية وغيرها .
ويكون معنى الآية على هذا : ذلك يوم التغابن الجائز مطلقا من غير تفصيل ، أو ذلك يوم التغابن الذي لا يستدرك أبدا ; لأن تغابن الدنيا يستدرك بوجهين : إما برد في بعض الأحوال على قول بعض العلماء ، وإما بربح في بيع آخر وسلعة أخرى . [ ص: 225 ]
فأما من خسر الجنة فلا درك له أبدا . وقد قال بعض علماء الصوفية : إن الله كتب الغبن على الخلق أجمعين ، ولا يلقى أحد ربه إلا مغبونا ; لأنه لا يمكنه الاستيفاء للعمل حتى يحصل له استيفاء الثواب . وفي الأثر قال النبي صلى الله عليه وسلم { } . والقول متشعب ، والقدر الذي يتعلق منه بالأحكام هذا فاعلموه . : لا يلقى الله أحد إلا نادما إن كان مسيئا إذ لم يحسن . وإن كان محسنا إذ لم يزدد