الآية الخامسة قوله تعالى : { واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون فاتقوا الله ما استطعتم } .
فيها ثمان مسائل : المسألة الأولى في التقوى : قد بينا حقيقة التقوى فيما تقدم ، فلا وجه لإعادته . المسألة الثانية روى عن أبيه أنه قال في قول الله عز وجل : { زيد بن أسلم يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } : يقول مطيعين قال : فلم يدر أحد ما حق تقاته من عظم حقه تبارك وتعالى . ولو اجتمع أهل السموات والأرض على أن يبلغوا حق تقاته ما بلغوا . قال : فأراد الله أن يعلم خلقه قدرته . ثم نسخها وهون على خلقه بقوله تبارك وتعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم } ، فلم يدع لهم مقالا . فلو قلت لرجل : اتق الله حق تقاته رأى أنك كلفته شططا من أمره . فإذا قلت : اتق الله ما استطعت رأى أنك لم تكلفه شططا ، وهي قوله : { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار } . نسختها الآية التي في النحل : { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم } . المسألة الثالثة ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال { } . : إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه
وقد ذكرناه في مواضع ، وها هنا ، فيما تقدم وبينا حكمة ربط الأمر بالاستطاعة ، وإطلاق النهي على الجملة ، وها هنا قد قرن النهي بالاستطاعة أيضا ، فقال : { فاتقوا الله ما استطعتم } . وعموم التقوى يتعلق بالأمر والنهي ، ومن النهي ما يقف على الاستطاعة ، وهو إذا [ ص: 230 ] تعلق بأمر مفعول . وقد حققناه في شرح الحديث وأصول الفقه .
المسألة الرابعة إن جماعة من المفسرين رووا أن هذه الآية : { اتقوا الله حق تقاته } لما نزلت قام قوم حتى تورمت أقدامهم ، وتقرحت جباههم ، فأنزل الله تعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم } فنسخ ذلك ، وقد بيناه فيما تقدم وفي القسم الثاني من علوم القرآن ، وهو قسم الناسخ والمنسوخ .