[ ص: 287 ] الآية السابعة قوله تعالى : { واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا } : فيها مسألتان :
المسألة الأولى في ، وهو عند معنى التبتل العرب التفرد ; قاله ابن عرفة " وقال غيره وهو الأقوى : هو القطع ، يقال : بتل إذا قطع ، وتبتل إذا كان القطع في نفسه ، فلذلك قالوا : إن معنى الآية انفرد لله ، وصدقة بتلة ، أي منقطعة من جميع المال . وفي حديث : { سعد التبتل ولو أذن له فيه لاختصينا عثمان بن مظعون } يعني الانقطاع عن النساء ، وفي الأثر : لا رهبانية ولا تبتل في الإسلام ، ومنه رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على مريم العذراء البتول ، أي التي انقطعت عن الرجال ، وتسمى البتول ، لانقطاعها عن نساء زمانها في الفضل والدين والنسب والحسب . فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهذا قول أحدثته الشيعة ، وإلا فقد اختلف الناس في التفضيل بينها وبين ، وليست من المسائل المهمة ، وكلتاهما من الدين والجلال في الغاية القصوى ، وربك أعلم بمن هو أفضل وأعلى . عائشة
وقد أشرنا إليه في كتاب المشكلين وشرح الصحيحين .
المسألة الثانية قد تقدم في سورة المائدة [ يأيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم } حال الدين في الكراهية لمن تبتل فيه ، وانقطع ، وسلك سبيل الرهبانية بما يغني عن إعادته ، وأما اليوم وقد مرجت عهود الناس ، وخفت أماناتهم ، واستولى الحرام على الحطام ، فالعزلة خير من الخلطة ، والعزبة أفضل من التأهل ، ولكن معنى الآية : انقطع عن الأوثان والأصنام ، وعن عبادة غير الله ; وكذلك قال تفسير ] قوله تعالى : { : معناه أخلص له العبادة ، ولم يرد [ انقطع عن الناس والنساء وهو اختيار مجاهد لأجل ما روي من { البخاري } فصار التبتل مأمورا به [ ص: 288 ] في القرآن ، منهيا عنه في السنة ; ومتعلق الأمر غير متعلق النهي ; إذ لا يتناقضان ، وإنما بعث النبي ليبين للناس ما نزل إليهم ، فالتبتل المأمور به الانقطاع إلى الله بإخلاص العبادة ، كما قال : { نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ] التبتل وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين }
والتبتل المنهي عنه هو سلوك مسلك النصارى في ترك النكاح والترهب في الصوامع ، لكن عند فساد الزمان يكون خير مال المسلم غنما يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن .