المسألة الثانية قوله تعالى : { ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا } يقتضي أن يدفن فيها الميت بجميع أجزائه كلها من شعر ، وظفر ، وثياب ، وما يواريه على التمام ، وما اتصل به وما بان عنه ، وقد قررنا ذلك في كتاب الجنائز من المسائل : [ ص: 309 ]
المسألة الثالثة احتج علماؤنا بهذه الآية في لأنه سرق من حرز مكفوت ، وحمى مضموم ، وقد مهدنا ذلك في مسائل الخلاف ، وقررنا أن ينظر في دخوله في هذه الآية بأن نقول : هذا حرز كفات ، لقول الله تعالى : { قطع النباش ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا } فجعل حال المرء فيها بعد الممات في كفتها له وضمها لحاله كحالة الحياة وما تحفظه وتحرز حيا ، كذلك يجب أن يكون ميتا فهذا أصل ثبت بالقرآن ، ثم ينظر في دخوله تحت قوله : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } وذلك يثبت بطريق اللغة ، فإن السارق فيها هو آخذ المال على طريق الخفية ومسارقة الأعين ، وهذا فعله في القبر كفعله في الدار ، ثم ينظر بعد ذلك في أن الذي سرق مال ; لأن يقول : إن الكفن ليس بمال ; لأنه معرض للإتلاف ، وقلنا نحن : هو معرض للإتلاف في منفعة المالك ، كالملبوس في الحياة ، ثم ينظر في أنه مملوك لمالك ، فإن الميت مالك . أبا حنيفة
والدليل عليه أنه لو نصب شبكة في حال حياته ، فوقع فيها صيد بعد وفاته ، فإنه يكون له ، تقضى منه ديونه ، وتنفذ فيه وصاياه . وحقيقة الملك موجودة في الكفن ; لأنه مختص به ومحتاج إليه ، فإذا ثبتت هذه الأركان من القرآن والمعنى ثبت القطع . والله أعلم .