[ ص: 404 ] سورة الفلق والناس [ فيهما ثلاث مسائل ] : 
المسألة الأولى في سبب نزولهما    : روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء ولا يفعله ، فمكث كذلك ما شاء الله أن يمكث ، ثم قال : يا  عائشة  ، أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه ؟ أتاني ملكان ، فجلس أحدهما عند رأسي ، والآخر عند رجلي قال الذي عند رأسي للذي عند رجلي : ما شأن الرجل ؟ قال : مطبوب . قال : ومن طبه ؟ قال : لبيد بن الأعصم    . فقال : فبماذا ؟ قال : في مشط ومشاطة ، في جف طلعة ذكر ، تحت راعوفة في بئر ذروان    . فجاء البئر واستخرجه   } . انتهى الصحيح زاد غيره : { فوجد فيها إحدى عشر عقدة ، فنزل جبريل  عليه السلام عليه بالمعوذتين إحدى عشر آية ، فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة ، حتى انحلت العقد ، وقام كأنما أنشط من عقال   } . أفادنيها شيخنا الزاهد أبو بكر بن أحمد بن علي بن بدران الصوفي    . 
المسألة الثانية قوله تعالى : { ومن شر غاسق إذا وقب    }    : روي أنه الذكر . وروي أنه الليل . وروي أنه القمر ، وذلك صحيح خرجه الترمذي    . 
ووجه أنه الذكر أو الليل لا يخفى . ووجه أنه القمر لما يتعلق به من جهة الجهل وعبادته واعتقاد الطبائعيين أنه يفعل الفاكهة أو تنفعل عنه ، أو لأنه إذا طلع بالليل انتشرت عنه الحشرات بالإذايات ، وهذا يضعف لأجل انتشارها بالليل أكثر من انتشارها بالقمر . وفيما ذكرنا ما يغني عن الزيادة عليه .  [ ص: 405 ] 
المسألة الثالثة روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أنزلت علي آيات لم أر مثلهن ، فذكر السورتين : الفلق ، والناس   } صححه الترمذي    . وفي الصحيح واللفظ  للبخاري  أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان ينفث على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوذتين قالت  عائشة    : فلما ثقل كنت أنفث عليه بهن ، وأمسح بيد نفسه لبركتها   } . 
قلت للزهري    : كيف ينفث ؟ قال : ينفث على يديه ويمسح بهما وجهه . 
وقال  ابن وهب    : قال  مالك    : هما من القرآن . وقد بينا ذلك في كتاب المشكلين . 
قال الإمام القاضي  ابن العربي  رضي الله عنه : قد أتينا على ما شرطنا في علوم القرآن حسب الإمكان على حال الزمان ، والله المستعان على عوارض لا تعارض ما بين معاش [ يراش ] ، ومساورة عدو أو هراش ، وسماع للحديث ليس له دفاع ، وطالب لا بد من مساعدته في المطالب ، إلى همم لأهل هذه الأقطار قاصرة ، وأفهام متقاصرة ، وتقاعد عن الاطلاع إلى بقاء الاستبصار ، واقتناع بالقشر عن اللباب ، وإقصار واجتزاء بالنفاية عن النقاوة ، وزهد في طريق الحقائق ، بيد أنه لم يسعنا والحالة هذه إلا نشر ما جمعناه ، ونثر ما وعيناه ، والإمساك عما لا يليق بهم ولا تبلغه إحاطتهم . 
وكمل القول الموجز في التوحيد والأحكام ، والناسخ والمنسوخ ، من عريض بيانه ، وطويل تبيانه ، وكثير برهانه ، وبقي القول في علم التذكير وهو بحر ليس لمده حد ، ومجموع لا يحصره العد ، وقد كنا أملينا عليكم في ثلاثين سنة ما لو قيض له تحصيل لكانت له جملة تدل على التفصيل ، ولما ذهب [ به ] المقدار ، فسيعلم الغافل لمن عقبى الدار . والله المستعان ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين . [ قال  القاضي أبو بكر بن العربي  رحمه الله : انتهى القول في ذي القعدة سنة ثلاث وخمسمائة والحمد لله كثيرا كما هو أهله ] . 
				
						
						
