الثاني : أن المراد به ذبائحهم ، وقد أذن الله سبحانه في طعامهم : قال لي شيخنا في ذلك كلاما كثيرا ، لبابه : أن الله سبحانه قد أذن في طعامهم ، وقد علم أنهم يسمون غيره على ذبائحهم ، ولكنهم لما تمسكوا بكتاب الله وعلقوا بذيل نبي جعلت لهم حرمة على أهل الأنصاب . وقد قال الإمام الزاهد أبو الفتح نصر بن إبراهيم النابلسي : " تؤكل ذبائحهم المطلقة إلا ما ذبحوا يوم عيدهم أو لأنصابهم " . مالك
وقال جماعة العلماء : تؤكل ذبائحهم وإن ذكروا عليها اسم غير المسيح ، وهي مسألة حسنة نذكر لكم منها قولا بديعا : وذلك أن الله سبحانه حرم ما لم يسم الله عليه من الذبائح ، وأذن في طعام أهل الكتاب وهم يقولون : [ إن ] الله هو المسيح ابن مريم ، وإنه ثالث ثلاثة . تعالى الله [ ص: 43 ] عن قولهم علوا كبيرا .
فإن لم يذكروا اسم الله سبحانه أكل طعامهم ، وإن ذكروا فقد علم ربك ما ذكروا ، وأنه غير الإله ، وقد سمح فيه فلا ينبغي أن يخالف أمر الله ، ولا يقبل عليه ، ولا تضرب الأمثال له .
وقد قلت لشيخنا : إنهم يذكرون غير الله . فقال لي : هم من آبائهم ، وقد جعلهم الله تبعا لمن كان قبلهم مع علمه بحالهم . وبهذا استدل بعض الشافعية على أن أبي الفتح المقدسي ليست بشرط ; قال : لو سمى النصراني الإله حقيقة لم تكن تسميتهم على شرط العبادة ; لأنهم لا يعرفون المعبود ، فليست تسميتهم على طريق العبادة ، واشتراطهم التسمية على غير وجه العبادة لا يعقل . قلنا : تعقل صورة التسمية ، ولها حرمة ، وإن لم يعلم المسمي من يسمي . التسمية على الذبيحة
ولو شرطنا العلم بحقيقة الإيمان ما جاز أكل كثير من ذبح من يسمي من المسلمين ، وإنما حرم الشرع ذبحا يذكر عليه غير الله تصريحا . فأما من يقصد الله فيصيب قصده فهو الذي لا كلام فيه .
وأما الذي يسميه فيخطئ قصده فذلك الذي رخص فيه ; فإذا قال " الله " وهو يقصد المسيح ، أو المسيح وهو يقصد الله فيرجع أمره إلى الله سبحانه ، ولكنه ضل عن الطريق وسمح لك فيه الإله الذي ضل أهل الكتاب عنه ، وخفف حالهم بهذه الشعبة الخفية من القصد إليه ، فلا يعترض عليه .
[ فإن قيل : فما فالجواب : أن هذه ميتة ، وهي حرام بالنص ، وإن أكلوها فلا نأكلها نحن كالخنزير فإنه حلال لهم ، ومن طعامهم ، وهو حرام علينا ، فهذه أمثلة والله أعلم ] . أكلوه على غير وجه الذكاة كالخنق وحطم الرأس ؟
وأما فقد سئل ذبائح الكتابيين عما يذبح أبو الدرداء لكنيسة اسمها سرجس ، فأمر بأكله ، ولذلك قال وقال عبادة بن الصامت الشافعي : تؤكل ذبائحهم ، وإن [ ص: 44 ] ذكر غير الله عليها ، وهذا ناسخ لقوله تعالى : { وعطاء ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } .
وقد بينا في القسم الثاني أنه ليس بنسخ ، وسنشير إليه في سورة الأنعام إن شاء الله تعالى .