المسألة السادسة : لما حكموا النبي صلى الله عليه وسلم أنفذ عليهم الحكم ، ولم يكن لهم الرجوع ، وكل من حكم رجلا في الدين فأصله هذه الآية . قال : مالك ، وإن رفع إلى قاض أمضاه إلا أن يكون جورا بينا . [ ص: 125 ] إذا حكم رجل رجلا فحكمه ماض
وقال : يمضيه إن رآه . قال سحنون ابن العربي : وذلك في الأموال والحقوق التي تختص بالطالب ، فأما . الحدود فلا يحكم فيها إلا السلطان
والضابط أن كل حق اختص به الخصمان جاز التحكيم فيه ونفذ تحكيم المحكم به . وقال : التحكيم جائز ، وهو غير لازم ; وإنما هو فتوى قال : لأنه لا يقدم آحاد الناس الولاة والحكام ، ولا يأخذ آحاد الناس الولاية من أيديهم ، وسنعقد في تعليم التحكيم مقالا يشفي إن شاء الله تعالى ، إشارته إلى أن كل محكم فإنه هو مفعل من حكم ، فإذا قال : حكمت ، فلا يخلو أن يقع لغوا أو مفيدا ، ولا بد أن يقع مفيدا ، فإذا أفاد فلا يخلو أن يفيد التكثير كقولك : كلمته وقللته ، أو يكون بمعنى جعلت له ، كقولك : ركبته وحسنته ، أي جعلت له مركوبا وحسنا ; وهذا يفيد جعلته حكما . وتحقيقه أن الحكم بين الناس إنما هو حقهم لا حق الحاكم ، بيد أن الاسترسال على التحكيم خرم لقاعدة الولاية ومؤد إلى تهارج الناس تهارج الحمر ، فلا بد من نصب فاصل ; فأمر الشرع بنصب الوالي ليحسم قاعدة الهرج ، وأذن في التحكيم تخفيفا عنه وعنهم في مشقة الترافع ، لتتم المصلحتان ، وتحصل الفائدتان . الشافعي ومن سواه لا يلحظون الشريعة بعين والشافعي رحمه الله ولا يلتفتون إلى المصالح ، ولا يعتبرون المقاصد ، وإنما يلحظون الظواهر وما يستنبطون منها ، وقد بينا ذلك في أصول الفقه والقبس في شرح موطأ مالك . مالك بن أنس
ولم أرو في التحكيم حديثا حضرني ذكره الآن إلا ما أخبرني به القاضي العراقي ، أخبرنا الجوني ، أخبرنا النيسابوري ، أخبرنا ، أخبرنا قليله ، حدثنا قتيبة بن سعيد يزيد يعني ابن المقدام بن شريح عن أبيه ، عن أبيه { شريح هانئ قال : لما وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه سمعهم وهم يكنونه أبا الحكم ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 126 ] فقال : إن الله هو الحكم ، وإليه الحكم ، فلم تكنى أبا الحكم فقال : إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم ، فرضي كلا الفريقين . فقال : ما أحسن هذا فما لك من الولد ؟ قال : لي ، شريح وعبد الله ، . قال : فمن أكبرهم ؟ قال : ومسلم . قال : فأنت شريح أبو شريح ودعا له ولولده } .