المسألة العاشرة : إذا انعقدت اليمين كما قدمنا حلتها الكفارة أو الاستثناء ، وكلاهما رخصة من الله سبحانه .
فأما الاستثناء فقال العلماء : إنه يكون متصلا باليمين واختلف فيه على ثلاثة أقوال : الأول : أنه يكون متصلا باليمين نسقا عليها لا يكون متراخيا عنها .
الثاني : قال محمد بن المواز : يكون مقترنا باليمين اعتقادا أو بآخر حرف منها ، فإن بدا له بعد الفراغ منها فاستثنى لم ينفعه ذلك .
الثالث : أنه يدرك اليمين الاستثناء [ ولو ] بعد سنة ; قاله وتعلق بقوله تعالى : { ابن عباس والذين لا يدعون مع الله إلها آخر } إلى آخر الآية إلى قوله : { مهانا } فإنها نزلت ، فلما كان بعد عام نزل قوله تعالى : { إلا من تاب } . وأما قول محمد فإنه ينبني على أن ؟ والصحيح أنه موضوع لحل اليمين ] ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الاستثناء هل يحل اليمين بعد عقدها [ أو يمنعها من الانعقاد } [ فجاء ] فيها بالاستثناء بعد اليمين لفظا فكذلك يكون عقدا . إني والله إن شاء الله
وأما قول فخارج عن اللغة . وأما قوله تعالى : { ابن عباس إلا من تاب } فإن الآيتين كانتا متصلتين في علم الله تعالى وفي لوحه ; وإنما تأخر نزولها لحكمة علم الله تعالى ذلك فيها ، فلا يتعلق بها ; أما إنه [ ص: 154 ] يتركب عليها فرع حسن ، وهو أن الحالف إذا قال : والله لا دخلت الدار ، أو أنت طالق إن دخلت الدار ، واستثنى في يمينه الأول إن شاء الله في قلبه ، واستثنى في اليمين الثانية في قلبه أيضا ما يصلح للاستثناء الذي يرفع اليمين لمدة ولسبب أو لمشيئة أحد ، ولم يظهر شيئا من الاستثناء إرهابا على المحلوف له ، فإن ذلك ينفعه ولا ينعقد اليمينان عليه وهذا في الطلاق ما لم تحضره البينة ، فإن حضرته بينة لم يقبل منه دعواه ، لئلا يكون ندما .
وقد تيقنا التحريم بوقوع الطلاق ، فلا ينفعه دعواه الاستثناء ، وإنما يكون ذلك نافعا له وحده إذا جاء مستفتيا . نكتة : كان أبو الفضل المراغي يقرأ بمدينة السلام ، فكانت الكتب تأتي إليه من بلده ، فيضعها في صندوق ، ولا يقرأ منها واحدا مخافة أن يطلع فيها على ما يزعجه أو يقطع به عن طلبه ، فلما كان بعد خمسة أعوام ، وقضى غرضا من الطلب ، وعزم على الرحيل شد رحله ، وأبرز كتبه ، وأخرج تلك الرسائل وقرأ منها ما لو أن واحدة منها قرأها في وقت وصولها ما تمكن بعدها من تحصيل حرف من العلم ، فحمد الله تعالى ، ورحل على دابته قاشه ، وخرج إلى باب الحلبة طريق خراسان ، وتقدمه الكري بالدابة ، وأقام هو على فامي يبتاع منه سفرته ; فبينما هو يحاول ذلك معه إذ سمعه يقول لفامي آخر : أي فل ، أما سمعت العالم يقول يعني الواعظ : إن يجوز الاستثناء ولو بعد سنة ، لقد اشتغل بالي بذلك منه منذ سمعته يقوله : وظللت فيه متفكرا ; ولو كان ذلك صحيحا لما قال الله تعالى ابن عباس لأيوب : { وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث } . وما الذي كان يمنعه من أن يقول حينئذ : قل إن شاء الله ؟ فلما سمعته يقول ذلك قلت : بلد يكون الفاميون به من العلم في هذه المرتبة أخرج عنه إلى المراغة ؟ لا أفعله أبدا ; واقتفى أثر الكري ، وحلله من الكراء ، وصرف رحله . وأقام بها حتى مات رحمه الله .