[ ص: 277 ] قوله تعالى : الذين في موضع خفض بدلا من " الذين " في قوله عز وجل قوله تعالى : لقد سمع الله قول الذين قالوا أو نعت " للعبيد " أو خبر ابتداء ، أي هم الذين قالوا . وقال الكلبي وغيره . نزلت في كعب بن الأشرف ، ومالك بن الصيف ، ووهب بن يهوذا وفنحاص بن عازوراء وجماعة أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ; فقالوا له : أتزعم أن الله أرسلك إلينا ، وإنه أنزل علينا كتابا عهد إلينا فيه ألا نؤمن لرسول يزعم أنه من عند الله حتى يأتينا بقربان تأكله النار ، فإن جئنا به صدقناك . فأنزل الله هذه الآية . فقيل : كان هذا في التوراة ، ولكن كان تمام الكلام : حتى يأتيكم المسيح ومحمد فإذا أتياكم فآمنوا بهما من غير قربان . وقيل : كان أمر القرابين ثابتا إلى أن نسخت على لسان عيسى ابن مريم . وكان النبي منهم يذبح ويدعو فتنزل نار بيضاء لها دوي وحفيف لا دخان لها ، فتأكل القربان . فكان هذا القول دعوى من اليهود ; إذ كان ثم استثناء فأخفوه ، أو نسخ ، فكانوا في تمسكهم بذلك متعنتين ، ومعجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - دليل قاطع في إبطال دعواهم ، وكذلك معجزات عيسى ; ومن وجب صدقه وجب تصديقه . ثم قال تعالى : إقامة للحجة عليهم : قل يا محمد قد جاءكم يا معشر اليهود رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم من القربان فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين يعني زكريا ويحيى وشعيا ، وسائر من قتلوا من الأنبياء عليهم السلام ولم تؤمنوا بهم . أراد بذلك أسلافهم . وهذه الآية هي التي تلاها عامر الشعبي - رضي الله عنه - ، فاحتج بها على الذي حسن قتل عثمان - رضي الله عنه - كما بيناه . وإن الله تعالى سمى اليهود قتلة لرضاهم بفعل أسلافهم ، وإن كان بينهم نحو من سبعمائة سنة . والقربان ما يتقرب به إلى الله تعالى من نسك وصدقة وعمل صالح ; وهو فعلان من القربة . ويكون اسما ومصدرا ; فمثال الاسم السلطان والبرهان . والمصدر العدوان والخسران . وكان عيسى بن عمر يقرأ " بقربان " بضم الراء إتباعا لضمة القاف ; كما قيل في جمع ظلمة : ظلمات ، وفي حجرة حجرات . ثم قال تعالى معزيا لنبيه ومؤنسا له : فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات أي بالدلالات . والزبر أي الكتب المزبورة ، يعني المكتوبة . والزبر جمع زبور وهو الكتاب . وأصله من زبرت أي كتبت . وكل زبور فهو كتاب ; قال امرؤ القيس :
لمن طلل أبصرته فشجاني كخط زبور في عسيب يماني
وأنا أعرف تزبرتي أي كتابتي . وقيل : الزبور من الزبر بمعنى الزجر . وزبرت الرجل انتهرته . وزبرت البئر : طويتها بالحجارة . وقرأ ابن عامر " بالزبر وبالكتاب المنير " بزيادة باء في الكلمتين . وكذلك هو في مصاحف أهل الشام . والكتاب المنير أي الواضح [ ص: 278 ] المضيء ; من قولك : أنرت الشيء أنيره ، أي أوضحته : يقال : نار الشيء وأناره ونوره واستناره بمعنى ، وكل واحد منهما لازم ومتعد . وجمع بين الزبر والكتاب - وهما بمعنى - لاختلاف لفظهما ، وأصلها كما ذكرنا .