الخامسة : ذهب أبو جعفر الطبري وأبو العباس المبرد إلى أن الحمد والشكر بمعنى واحد سواء ، وليس بمرضي . وحكاه أبو عبد الرحمن السلمي في كتاب " الحقائق " له عن جعفر الصادق وابن عطاء . قال ابن عطاء : معناه الشكر لله ; إذ كان منه الامتنان على تعليمنا إياه حتى حمدناه . واستدل الطبري على أنهما بمعنى بصحة قولك : الحمد لله شكرا . قال ابن عطية : وهو في الحقيقة دليل على خلاف ما ذهب إليه ; لأن قولك شكرا ، إنما خصصت به الحمد ; لأنه على نعمة من النعم . وقال بعض العلماء : إن الشكر أعم من الحمد ; لأنه باللسان وبالجوارح والقلب ; والحمد إنما يكون باللسان خاصة . وقيل : الحمد أعم ; لأن فيه معنى الشكر ومعنى المدح ، وهو أعم من الشكر ; لأن الحمد يوضع موضع الشكر ولا يوضع الشكر موضع الحمد . وروي عن ابن عباس أنه قال : الحمد لله كلمة كل شاكر ، وإن آدم عليه السلام قال حين عطس : الحمد لله . وقال الله لنوح عليه السلام : فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين وقال إبراهيم عليه السلام : الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق . وقال في قصة داود وسليمان : وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين . وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم : وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا . وقال أهل الجنة : الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن . وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين . فهي كلمة كل شاكر .
[ ص: 132 ] قلت : الصحيح أن الحمد ثناء على الممدوح بصفاته من غير سبق إحسان ، والشكر ثناء على المشكور بما أولى من الإحسان . وعلى هذا الحد قال علماؤنا : الحمد أعم من الشكر ; لأن الحمد يقع على الثناء وعلى التحميد وعلى الشكر ; والجزاء مخصوص إنما يكون مكافأة لمن أولاك معروفا ; فصار الحمد أعم في الآية لأنه يزيد على الشكر . ويذكر الحمد بمعنى الرضا ; يقال : بلوته فحمدته ، أي رضيته . ومنه قوله تعالى : مقاما محمودا . وقال عليه السلام : أي أرضاه لكم . ويذكر عن أحمد إليكم غسل الإحليل جعفر الصادق في قوله الحمد لله : من حمده بصفاته كما وصف نفسه فقد حمد ; لأن الحمد حاء وميم ودال ; فالحاء من الوحدانية ، والميم من الملك ، والدال من الديمومية ; فمن عرفه بالوحدانية والديمومية والملك فقد عرفه ، وهذا هو حقيقة " الحمد لله " . وقال شقيق بن إبراهيم في تفسير " الحمد لله " قال : هو على ثلاثة أوجه : أولها إذا أعطاك الله شيئا تعرف من أعطاك . والثاني أن ترضى بما أعطاك . والثالث ما دامت قوته في جسدك ألا تعصيه ; فهذه شرائط الحمد .