nindex.php?page=treesubj&link=28976قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=94يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم .
فيه ثمان مسائل :
الأولى : قوله تعالى : ليبلونكم الله أي : ليختبرنكم ، والابتلاء الاختبار ، وكان الصيد أحد معايش العرب العاربة ، وشائعا عند الجميع منهم ، مستعملا جدا ، فابتلاهم الله فيه مع الإحرام والحرم ، كما ابتلى
بني إسرائيل في ألا يعتدوا في السبت ، وقيل : إنها نزلت عام
الحديبية ; أحرم بعض الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحرم بعضهم ، فكان إذا عرض صيد اختلف فيه أحوالهم وأفعالهم ، واشتبهت أحكامه عليهم ، فأنزل الله هذه الآية بيانا لأحكام أحوالهم وأفعالهم ، ومحظورات حجهم وعمرتهم .
الثانية : اختلف العلماء من المخاطب بهذه الآية على قولين : أحدهما : أنهم المحلون ; قاله
مالك . الثاني : أنهم المحرمون قاله
ابن عباس ; وتعلق بقوله تعالى : ليبلونكم فإن
[ ص: 227 ] تكليف الامتناع الذي يتحقق به الابتلاء هو مع الإحرام . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : وهذا لا يلزم ; فإن التكليف يتحقق في المحل بما شرط له من أمور الصيد ، وما شرع له من وصفه في كيفية الاصطياد ، والصحيح أن الخطاب في الآية لجميع الناس محلهم ومحرمهم ; لقوله تعالى : ليبلونكم الله أي : : ليكلفنكم ، والتكليف كله ابتلاء وإن تفاضل في الكثرة والقلة ، وتباين في الضعف والشدة .
الثالثة : قوله تعالى : بشيء من الصيد يريد ببعض الصيد ، فمن للتبعيض ، وهو صيد البر خاصة ; ولم يعم الصيد كله لأن للبحر صيدا ، قاله
الطبري وغيره ، وأراد بالصيد المصيد ; لقوله : تناله أيديكم .
الرابعة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=94تناله أيديكم ورماحكم بيان لحكم صغار الصيد وكباره .
وقرأ
ابن وثاب والنخعي : " يناله " بالياء منقوطة من تحت . قال
مجاهد : الأيدي تنال الفراخ والبيض وما لا يستطيع أن يفر ، والرماح تنال كبار الصيد ، وقال
ابن وهب قال
مالك قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=94يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم وكل شيء يناله الإنسان بيده أو برمحه أو بشيء من سلاحه فقتله فهو صيد كما قال الله تعالى .
الخامسة : خص الله تعالى الأيدي بالذكر لأنها عظم التصرف في الاصطياد ; وفيها تدخل الجوارح والحبالات ، وما عمل باليد من فخاخ وشباك ; وخص الرماح بالذكر لأنها عظم ما يجرح به الصيد ، وفيها يدخل السهم ونحوه ; وقد مضى القول فيما يصاد به من الجوارح والسهام في أول السورة بما فيه الكفاية والحمد لله .
السادسة : ما وقع في الفخ والحبالة فلربها ، فإن ألجأ الصيد إليها أحد ولولاها لم يتهيأ له أخذه فربها فيه شريكه ، وما وقع في الجبح المنصوب في الجبل من ذباب النحل فهو كالحبالة والفخ ، وحمام الأبرجة ترد على أربابها إن استطيع ذلك ، وكذلك نحل الجباح ; وقد روي عن
مالك ، وقال بعض أصحابه : إنه ليس على من حصل الحمام أو النحل عنده أن يرده ، ولو
nindex.php?page=treesubj&link=17179ألجأت الكلاب صيدا فدخل في بيت أحد أو داره فهو للصائد مرسل الكلاب دون صاحب البيت ، ولو دخل في البيت من غير اضطرار الكلاب له فهو لرب البيت .
[ ص: 228 ] السابعة : احتج بعض الناس على أن الصيد للآخذ لا للمثير بهذه الآية ; لأن المثير لم تنل يده ولا رمحه بعد شيئا ، وهو قول
أبي حنيفة .
الثامنة : كره
مالك nindex.php?page=treesubj&link=17068صيد أهل الكتاب ولم يحرمه ، لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=94تناله أيديكم ورماحكم يعني أهل الإيمان ، لقوله تعالى في صدر الآية : يا أيها الذين آمنوا فخرج عنهم أهل الكتاب ، وخالفه جمهور أهل العلم ، لقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا وهو عندهم مثل ذبائحهم ، وأجاب علماؤنا بأن الآية إنما تضمنت أكل طعامهم ، والصيد باب آخر فلا يدخل في عموم الطعام ، ولا يتناوله مطلق لفظه .
قلت : هذا بناء على أن الصيد ليس مشروعا عندهم فلا يكون من طعامهم ، فيسقط عنا هذا الإلزام ; فأما إن كان مشروعا عندهم في دينهم فيلزمنا أكله لتناول اللفظ له ، فإنه من طعامهم ، والله أعلم .
nindex.php?page=treesubj&link=28976قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=94يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ .
فِيهِ ثَمَانِ مَسَائِلَ :
الْأُولَى : قَوْلُهُ تَعَالَى : لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ أَيْ : لَيَخْتَبِرَنَّكُمْ ، وَالِابْتِلَاءُ الِاخْتِبَارُ ، وَكَانَ الصَّيْدُ أَحَدَ مَعَايِشِ الْعَرَبِ الْعَارِبَةِ ، وَشَائِعًا عِنْدَ الْجَمِيعِ مِنْهُمْ ، مُسْتَعْمَلًا جِدًّا ، فَابْتَلَاهُمُ اللَّهُ فِيهِ مَعَ الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ ، كَمَا ابْتَلَى
بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي أَلَّا يَعْتَدُوا فِي السَّبْتِ ، وَقِيلَ : إِنَّهَا نَزَلَتْ عَامَ
الْحُدَيْبِيَةِ ; أَحْرَمَ بَعْضُ النَّاسِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُحْرِمْ بَعْضُهُمْ ، فَكَانَ إِذَا عَرَضَ صَيْدٌ اخْتَلَفَ فِيهِ أَحْوَالُهُمْ وَأَفْعَالُهُمْ ، وَاشْتَبَهَتْ أَحْكَامُهُ عَلَيْهِمْ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ بَيَانًا لِأَحْكَامِ أَحْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ ، وَمَحْظُورَاتِ حَجِّهِمْ وَعُمْرَتِهِمْ .
الثَّانِيَةُ : اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ مَنِ الْمُخَاطَبُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُمُ الْمُحِلُّونَ ; قَالَهُ
مَالِكٌ . الثَّانِي : أَنَّهُمُ الْمُحْرِمُونَ قَالَهُ
ابْنُ عَبَّاسٍ ; وَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : لَيَبْلُوَنَّكُمْ فَإِنَّ
[ ص: 227 ] تَكْلِيفَ الِامْتِنَاعِ الَّذِي يَتَحَقَّقُ بِهِ الِابْتِلَاءُ هُوَ مَعَ الْإِحْرَامِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ : وَهَذَا لَا يَلْزَمُ ; فَإِنَّ التَّكْلِيفَ يَتَحَقَّقُ فِي الْمَحَلِّ بِمَا شُرِطَ لَهُ مِنْ أُمُورِ الصَّيْدِ ، وَمَا شُرِعَ لَهُ مِنْ وَصْفِهِ فِي كَيْفِيَّةِ الِاصْطِيَادِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْخِطَابَ فِي الْآيَةِ لِجَمِيعِ النَّاسِ مُحِلِّهِمْ وَمُحْرِمِهِمْ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ أَيْ : : لَيُكَلِّفَنَّكُمْ ، وَالتَّكْلِيفُ كُلُّهُ ابْتِلَاءٌ وَإِنْ تَفَاضَلَ فِي الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ ، وَتَبَايَنَ فِي الضَّعْفِ وَالشِّدَّةِ .
الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ يُرِيدُ بِبَعْضِ الصَّيْدِ ، فَمِنْ لِلتَّبْعِيضِ ، وَهُوَ صَيْدُ الْبَرِّ خَاصَّةً ; وَلَمْ يَعُمَّ الصَّيْدَ كُلَّهُ لِأَنَّ لِلْبَحْرِ صَيْدًا ، قَالَهُ
الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَأَرَادَ بِالصَّيْدِ الْمَصِيدَ ; لِقَوْلِهِ : تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ .
الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=94تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ بَيَانٌ لِحُكْمِ صِغَارِ الصَّيْدِ وَكِبَارِهِ .
وَقَرَأَ
ابْنُ وَثَّابٍ وَالنَّخَعِيُّ : " يَنَالُهُ " بِالْيَاءِ مَنْقُوطَةٌ مِنْ تَحْتِ . قَالَ
مُجَاهِدٌ : الْأَيْدِي تَنَالُ الْفِرَاخَ وَالْبَيْضَ وَمَا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَفِرَّ ، وَالرِّمَاحُ تَنَالُ كِبَارَ الصَّيْدِ ، وَقَالَ
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ
مَالِكٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=94يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ وَكُلُّ شَيْءٍ يَنَالُهُ الْإِنْسَانُ بِيَدِهِ أَوْ بِرُمْحِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ سِلَاحِهِ فَقَتَلَهُ فَهُوَ صَيْدٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى .
الْخَامِسَةُ : خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى الْأَيْدِي بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا عُظْمُ التَّصَرُّفِ فِي الِاصْطِيَادِ ; وَفِيهَا تَدْخُلُ الْجَوَارِحُ وَالْحِبَالَاتُ ، وَمَا عُمِلَ بِالْيَدِ مِنْ فِخَاخٍ وَشِبَاكٍ ; وَخَصَّ الرِّمَاحَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا عُظْمُ مَا يُجْرَحُ بِهِ الصَّيْدُ ، وَفِيهَا يَدْخُلُ السَّهْمُ وَنَحْوُهُ ; وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِيمَا يُصَادُ بِهِ مِنَ الْجَوَارِحِ وَالسِّهَامِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ .
السَّادِسَةُ : مَا وَقَعَ فِي الْفَخِّ وَالْحِبَالَةِ فَلِرَبِّهَا ، فَإِنْ أَلْجَأَ الصَّيْدَ إِلَيْهَا أَحَدٌ وَلَوْلَاهَا لَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ أَخْذُهُ فَرَبُّهَا فِيهِ شَرِيكُهُ ، وَمَا وَقَعَ فِي الْجُبْحِ الْمَنْصُوبِ فِي الْجَبَلِ مِنْ ذُبَابِ النَّحْلِ فَهُوَ كَالْحِبَالَةِ وَالْفَخِّ ، وَحَمَامُ الْأَبْرِجَةِ تُرَدُّ عَلَى أَرْبَابِهَا إِنِ اسْتُطِيعَ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ نَحْلُ الْجِبَاحِ ; وَقَدْ رُوِيَ عَنْ
مَالِكٍ ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ : إِنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَنْ حَصَلَ الْحَمَامُ أَوِ النَّحْلُ عِنْدَهُ أَنْ يَرُدَّهُ ، وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=17179أَلْجَأَتِ الْكِلَابُ صَيْدًا فَدَخَلَ فِي بَيْتِ أَحَدٍ أَوْ دَارِهِ فَهُوَ لِلصَّائِدِ مُرْسِلُ الْكِلَابِ دُونَ صَاحِبِ الْبَيْتِ ، وَلَوْ دَخَلَ فِي الْبَيْتِ مِنْ غَيْرِ اضْطِرَارِ الْكِلَابِ لَهُ فَهُوَ لِرَبِّ الْبَيْتِ .
[ ص: 228 ] السَّابِعَةُ : احْتَجَّ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى أَنَّ الصَّيْدَ لِلْآخِذِ لَا لِلْمُثِيرِ بِهَذِهِ الْآيَةِ ; لِأَنَّ الْمُثِيرَ لَمْ تَنَلْ يَدُهُ وَلَا رُمْحُهُ بَعْدُ شَيْئًا ، وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي حَنِيفَةَ .
الثَّامِنَةُ : كَرِهَ
مَالِكٌ nindex.php?page=treesubj&link=17068صَيْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَمْ يُحَرِّمْهُ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=94تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ يَعْنِي أَهْلَ الْإِيمَانِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي صَدْرِ الْآيَةِ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فَخَرَجَ عَنْهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ ، وَخَالَفَهُ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا وَهُوَ عِنْدَهُمْ مِثْلُ ذَبَائِحِهِمْ ، وَأَجَابَ عُلَمَاؤُنَا بِأَنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا تَضَمَّنَتْ أَكْلَ طَعَامِهِمْ ، وَالصَّيْدُ بَابٌ آخَرُ فَلَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ الطَّعَامِ ، وَلَا يَتَنَاوَلُهُ مُطْلَقُ لَفْظِهِ .
قُلْتُ : هَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الصَّيْدَ لَيْسَ مَشْرُوعًا عِنْدَهُمْ فَلَا يَكُونُ مِنْ طَعَامِهِمْ ، فَيَسْقُطُ عَنَّا هَذَا الْإِلْزَامُ ; فَأَمَّا إِنْ كَانَ مَشْرُوعًا عِنْدَهُمْ فِي دِينِهِمْ فَيَلْزَمُنَا أَكْلُهُ لِتَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهُ ، فَإِنَّهُ مِنْ طَعَامِهِمْ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .