قوله تعالى : وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى وأذان الأذان : الإعلام لغة من غير خلاف . وهو عطف على براءة . إلى الناس الناس هنا جميع الخلق . يوم الحج الأكبر ظرف ، والعامل فيه أذان . وإن كان قد وصف بقوله : من الله ، فإن رائحة الفعل فيه باقية ، وهي عاملة في الظروف . وقيل : العامل فيه مخزي ولا يصح عمل أذان ؛ لأنه قد وصف فخرج عن حكم الفعل .
[ ص: 10 ] الثانية : واختلف العلماء في الحج الأكبر ، فقيل : يوم عرفة . روي عن عمر وعثمان وابن عباس وطاوس ومجاهد . وهو مذهب أبي حنيفة ، وبه قال . وعن الشافعي علي أيضا وابن عباس وابن مسعود وابن أبي أوفى أنه يوم النحر . واختاره والمغيرة بن شعبة الطبري . وروى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر في الحجة التي حج فيها فقال : فقالوا : يوم النحر ، فقال : أي يوم هذا . أخرجه هذا يوم الحج الأكبر أبو داود . وخرج عن البخاري قال : بعثني أبي هريرة أبو بكر الصديق رضي الله عنه فيمن يؤذن يوم النحر بمنى : لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان . ويوم الحج الأكبر يوم النحر . وإنما قيل ( الأكبر ) من أجل قول الناس : الحج الأصغر . فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام ، فلم يحج عام حجة الوداع الذي حج فيه النبي صلى الله عليه وسلم مشرك . وقال ابن أبي أوفى : يوم النحر يوم الحج الأكبر ، يهراق فيه الدم ، ويوضع فيه الشعر ، ويلقى فيه التفث ، وتحل فيه الحرم . وهذا مذهب مالك ؛ لأن يوم النحر فيه كالحج كله ؛ لأن الوقوف إنما هو ليلته ، والرمي والنحر والحلق والطواف في صبيحته . احتج الأولون بحديث مخرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يوم الحج الأكبر يوم عرفة . رواه إسماعيل القاضي . وقال الثوري : الحج الأكبر أيام منى كلها . وهذا كما يقال : يوم صفين ويوم الجمل ويوم بعاث ، فيراد به الحين والزمان لا نفس اليوم . وروي عن وابن جريج مجاهد : الحج الأكبر القران ، والأصغر الإفراد . وهذا ليس من الآية في شيء . وعنه وعن عطاء : الحج الأكبر الذي فيه الوقوف بعرفة ، والأصغر العمرة . وعن مجاهد أيضا : أيام الحج كلها . وقال الحسن : إنما سمي يوم الحج الأكبر لأنه حج ذلك العام المسلمون والمشركون ، واتفقت فيه يومئذ أعياد الملل : وعبد الله بن الحارث بن نوفل اليهود والنصارى والمجوس . قال ابن عطية : [ ص: 11 ] وهذا ضعيف أن يصفه الله عز وجل في كتابه بالأكبر لهذا . وعن الحسن أيضا : إنما سمي الأكبر لأنه حج فيه أبو بكر ونبذت فيه العهود . وهذا الذي يشبه نظر الحسن . وقال ابن سيرين : يوم الحج الأكبر العام الذي حج فيه النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع ، وحجت معه فيه الأمم .
الثالثة : أن الله بريء من المشركين ورسوله ( أن ) بالفتح في موضع نصب . والتقدير بأن الله . ومن قرأ بالكسر قدره بمعنى قال إن الله . ( بريء ) خبر إن . ( ورسوله ) عطف على الموضع ، وإن شئت على المضمر المرفوع في ( بريء ) . كلاهما حسن ; لأنه قد طال الكلام . وإن شئت على الابتداء والخبر محذوف ; التقدير : ورسوله بريء منهم . ومن قرأ ( ورسوله ) بالنصب - وهو الحسن وغيره - عطفه على اسم الله عز وجل على اللفظ . وفي الشواذ ( ورسوله ) بالخفض على القسم ، أي وحق رسوله ; ورويت عن الحسن . وقد تقدمت قصة عمر فيها أول الكتاب . قوله تعالى
فإن تبتم أي عن الشرك فهو خير لكم أي أنفع لكم وإن توليتم أي عن الإيمان فاعلموا أنكم غير معجزي الله أي فائتيه ; فإنه محيط بكم ومنزل عقابه عليكم .