أحدها : أن الجلوس فرض والتشهد فرض والسلام فرض . وممن قال ذلك الشافعي في رواية ، وحكاه وأحمد بن حنبل أبو مصعب في مختصره عن مالك وأهل المدينة ، وبه قال داود . قال : من الشافعي فلا إعادة عليه وعليه سجدتا السهو لتركه . وإذا ترك التشهد الأول والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أعاد . واحتجوا بأن بيان النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فرض ; لأن أصل فرضها مجمل يفتقر إلى البيان إلا ما خرج بدليل ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ترك التشهد الأخير ساهيا أو عامدا . صلوا كما رأيتموني أصلي
القول الثاني : أن الجلوس والتشهد والسلام ليس بواجب ، وإنما ذلك كله سنة مسنونة ، هذا قول بعض البصريين ، وإليه ذهب إبراهيم بن علية ، وصرح بقياس الجلسة الأخيرة على الأولى ، فخالف الجمهور وشذ ، إلا أنه يرى الإعادة على من ترك شيئا من ذلك كله . ومن حجتهم حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : عبد الله بن عمرو بن العاص وهو حديث لا يصح على ما قاله إذا رفع الإمام رأسه من آخر سجدة في صلاته ثم أحدث فقد تمت صلاته أبو عمر ، وقد بيناه في كتاب المقتبس . وهذا اللفظ إنما يسقط السلام لا الجلوس .
القول الثالث : إن الجلوس مقدار التشهد فرض ، وليس التشهد ولا السلام بواجب فرضا . قاله أبو حنيفة وأصحابه وجماعة من الكوفيين . واحتجوا بحديث ابن المبارك عن وهو ضعيف ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الإفريقي عبد الرحمن بن زياد . قال إذا جلس أحدكم في آخر [ ص: 170 ] صلاته فأحدث قبل أن يسلم فقد تمت صلاته : وكان شيخنا ابن العربي فخر الإسلام ينشدنا في الدرس :
ويرى الخروج من الصلاة بضرطة أين الضراط من السلام عليكم
قال : وسلك بعض علمائنا من هذه المسألة فرعين ضعيفين ، أما أحدهما : فروى ابن العربي عبد الملك عن عبد الملك أن من سلم من ركعتين متلاعبا ، فخرج البيان أنه إن كان على أربع أنه يجزئه ، وهذا مذهب أهل العراق بعينه . وأما الثاني : فوقع في الكتب المنبوذة أن الإمام إذا أحدث بعد التشهد متعمدا وقبل السلام أنه يجزئ من خلفه ، وهذا مما لا ينبغي أن يلتفت إليه في الفتوى ، وإن عمرت به المجالس للذكرى .
القول الرابع : أن الجلوس فرض والسلام فرض ، وليس التشهد بواجب . وممن قال هذا مالك بن أنس وأصحابه في رواية . واحتجوا بأن قالوا : ليس شيء من الذكر يجب إلا تكبيرة الإحرام وقراءة أم القرآن . وأحمد بن حنبل
القول الخامس : أن التشهد والجلوس واجبان ، وليس السلام بواجب ، قاله جماعة منهم إسحاق بن راهويه ، واحتج إسحاق بحديث ابن مسعود حين علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد وقال له : . قال إذا فرغت من هذا فقد تمت صلاتك وقضيت ما عليك : قوله الدارقطني أدرجه بعضهم عن إذا فرغت من هذا فقد تمت صلاتك زهير في الحديث ، ووصله بكلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وفصله شبابة عن زهير وجعله من كلام ابن مسعود ، وقوله أشبه بالصواب من قول من أدرجه في حديث النبي صلى الله عليه وسلم . وشبابة ثقة . وقد تابعه غسان بن الربيع على ذلك ، جعل آخر الحديث من كلام ابن مسعود ولم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 171 ]