[ ص: 28 ] وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن " أنه " في موضع رفع على أنه اسم ما لم يسم فاعله . ويجوز أن يكون في موضع نصب ، ويكون التقدير : ب " أنه " . و " آمن " في موضع نصب ب " يؤمن " ومعنى الكلام الإياس من إيمانهم ، واستدامة كفرهم ، تحقيقا لنزول الوعيد بهم . قال قوله تعالى : الضحاك : فدعا عليهم لما أخبر بهذا فقال : رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا الآيتين . وقيل : إن رجلا من قوم نوح حمل ابنه على كتفه ، فلما رأى الصبي نوحا قال لأبيه : اعطني حجرا ; فأعطاه حجرا ، ورمى به نوحا - عليه السلام - فأدماه ; فأوحى الله تعالى إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن .
فلا تبتئس بما كانوا يفعلون أي فلا تغتم بهلاكهم حتى تكون بائسا ; أي حزينا . والبؤس الحزن ; ومنه قول الشاعر :
وكم من خليل أو حميم رزئته فلم أبتئس والرزء فيه جليل
يقال : ابتأس الرجل إذا بلغه شيء يكرهه . والابتئاس حزن في استكانة .
واصنع الفلك بأعيننا ووحينا أي اعمل السفينة لتركبها أنت ومن آمن معك . بأعيننا أي بمرأى منا وحيث نراك . وقال قوله تعالى : الربيع بن أنس : بحفظنا إياك حفظ من يراك . وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - : ( بحراستنا ) ; والمعنى واحد ; فعبر عن الرؤية بالأعين ; لأن الرؤية تكون بها . ويكون جمع الأعين للعظمة لا للتكثير ; كما قال تعالى : فنعم القادرون فنعم الماهدون وإنا لموسعون . وقد يرجع معنى الأعين في هذه الآية وغيرها إلى معنى عين ; كما قال : ولتصنع على عيني وذلك كله عبارة عن الإدراك والإحاطة ، وهو سبحانه منزه عن الحواس والتشبيه والتكييف ; لا رب غيره . وقيل : المعنى بأعيننا أي بأعين ملائكتنا الذين جعلناهم عيونا على حفظك ومعونتك ; فيكون الجمع على هذا التكثير على بابه . وقيل : " بأعيننا " أي بعلمنا ; قاله مقاتل : وقال الضحاك وسفيان : " بأعيننا " بأمرنا . وقيل : بوحينا . وقيل : بمعونتنا لك على صنعها . " ووحينا " أي على ما أوحينا إليك من صنعتها .
ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون أي لا تطلب إمهالهم فإني مغرقهم .