قوله تعالى : فلما ذهب عن إبراهيم الروع أي الخوف ; يقال : ارتاع من كذا إذا خاف ; قال النابغة :
فارتاع من صوت كلاب فبات له طوع الشوامت من خوف ومن صرد
وجاءته البشرى أي بإسحاق ويعقوب . وقال قتادة : بشروه بأنهم إنما أتوا بالعذاب [ ص: 65 ] إلى قوم لوط ، وأنه لا يخاف .
" يجادلنا " أي يجادل رسلنا ، وأضافه إلى نفسه ; لأنهم نزلوا بأمره . وهذه المجادلة رواها حميد بن هلال عن جندب عن حذيفة ; وذلك أنهم لما قالوا : إنا مهلكو أهل هذه القرية قال لهم : أرأيتم إن كان فيها خمسون من المسلمين أتهلكونهم ؟ قالوا : لا . قال : فأربعون ؟ قالوا : لا . قال : فثلاثون ؟ قالوا : لا . قال : فعشرون ؟ قالوا : لا . قال : فإن كان فيها عشرة - أو خمسة " شك حميد " - قالوا : لا . قال قتادة : نحوا منه ; قال فقال يعني إبراهيم : قوم ليس فيهم عشرة من المسلمين لا خير فيهم . وقيل إن إبراهيم قال : أرأيتم إن كان فيها رجل مسلم أتهلكونها ؟ قالوا : لا . فقال إبراهيم عند ذلك : إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين . وقال عبد الرحمن بن سمرة : كانوا أربعمائة ألف . . وكان في قرى قوم ابن جريج لوط أربعة آلاف ألف . ومذهب الأخفش " أن يجادلنا " في موضع " جادلنا " . قال والكسائي النحاس : لما كان جواب لما يجب أن يكون بالماضي جعل المستقبل مكانه ; كما أن الشرط يجب أن يكون بالمستقبل فجعل الماضي مكانه . وفيه جواب آخر : أن يكون " يجادلنا " في موضع الحال ; أي أقبل يجادلنا ; وهذا قول الفراء .
" إن إبراهيم لحليم أواه منيب " تقدم في " براءة " معنى " لأواه حليم " والمنيب الراجع ; يقال : أناب إذا رجع . وإبراهيم - صلى الله عليه وسلم - كان راجعا إلى الله تعالى في أموره كلها . وقيل : الأواه المتأوه أسفا على ما قد فات قوم لوط من الإيمان .
قوله تعالى : يا إبراهيم أعرض عن هذا أي دع عنك الجدال في قوم لوط .
إنه قد جاء أمر ربك أي عذابه لهم .
وإنهم آتيهم أي نازل بهم .
عذاب غير مردود أي غير مصروف عنهم ولا مدفوع .