قوله تعالى : قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين   فيه سبع مسائل الأولى : قوله تعالى : نستبق نفتعل ، من ، المسابقة . وقيل : أي ننتضل ; وكذا في قراءة عبد الله    " إنا ذهبنا ننتضل " وهو نوع من المسابقة ; قاله الزجاج    . وقال الأزهري    : النضال في السهام ، والرهان في الخيل ، والمسابقة تجمعهما . قال  القشيري أبو نصر    : نستبق أي في الرمي ، أو على الفرس ; أو على الأقدام ; والغرض من المسابقة على الأقدام تدريب النفس على العدو ، لأنه الآلة في قتال العدو ، ودفع الذئب عن الأغنام . وقال  السدي   وابن حبان    : نستبق نشتد جريا لنرى أينا أسبق . قال  ابن العربي    : المسابقة شرعة في الشريعة  ، وخصلة بديعة ، وعون على الحرب ; وقد فعلها - صلى الله عليه وسلم - بنفسه وبخيله ، وسابق عائشة    - رضي الله عنها - على قدميه فسبقها ; فلما كبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سابقها فسبقته ; فقال لها : هذه بتلك   . 
 [ ص: 129 ] قلت : وسابق  سلمة بن الأكوع  رجلا لما رجعوا من ذي قرد  إلى المدينة  فسبقه سلمة    ; خرجه مسلم    . 
الثانية : وروى مالك  عن نافع  عن ابن عمر  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سابق بين الخيل التي قد أضمرت من الحفياء وكان أمدها ثنية الوداع ، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية  إلى مسجد بني زريق  ، وأن عبد الله بن عمر  كان ممن سابق بها ; وهذا الحديث مع صحته في هذا الباب تضمن ثلاثة شروط ; فلا تجوز المسابقة بدونها  ، وهي : أن المسافة لا بد أن تكون معلومة . الثاني : أن تكون الخيل متساوية الأحوال . الثالث : ألا يسابق المضمر مع غير المضمر في أمد واحد وغاية واحدة . والخيل التي يجب أن تضمر ويسابق عليها ، وتقام هذه السنة فيها هي الخيل المعدة لجهاد العدو لا لقتال المسلمين في الفتن . 
الثالثة : وأما المسابقة بالنصال والإبل    ; فروى مسلم  عن عبد الله بن عمرو  قال : سافرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلنا منزلا فمنا من يصلح خباءه ، ومنا من ينتضل ، وذكر الحديث . وخرج  النسائي  عن  أبي هريرة  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر   . وثبت ذكر النصل من حديث ابن أبي ذئب  عن نافع بن أبي نافع  عن  أبي هريرة  ، ذكره  النسائي    ; وبه يقول فقهاء الحجاز  والعراق    . وروى  البخاري  عن أنس  قال : كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - ناقة تسمى العضباء لا تسبق - قال حميد    : أو لا تكاد تسبق - فجاء أعرابي على قعود فسبقها ، فشق ذلك   [ ص: 130 ] على المسلمين حتى عرفه ; فقال : حق على الله ألا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه   . 
الرابعة : أجمع المسلمون على أن السبق لا يجوز على وجه الرهان إلا في الخف ، والحافر والنصل    ; قال  الشافعي    : ما عدا هذه الثلاثة فالسبق فيها قمار . وقد زاد أبو البختري  القاضي في حديث الخف والحافر والنصل " أو جناح " وهي لفظة وضعها للرشيد ، فترك العلماء حديثه لذلك ولغيره من موضوعاته ; فلا يكتب العلماء حديثه بحال . وقد روي عن مالك  أنه قال : لا سبق إلا في الخيل والرمي ، لأنه قوة على أهل الحرب ; قال : وسبق الخيل أحب إلينا من سبق الرمي . وظاهر الحديث يسوي بين السبق على النجب والسبق على الخيل    . وقد منع بعض العلماء الرهان في كل شيء  إلا في الخيل ; لأنها التي كانت عادة العرب المراهنة عليها . وروي عن عطاء  أن المراهنة في كل شيء جائزة ; وقد تؤول قوله ; لأن حمله على العموم في كل شيء يؤدي إلى إجازة القمار ، وهو محرم باتفاق . 
الخامسة : لا يجوز السبق في الخيل والإبل إلا في غاية معلومة وأمد معلوم  ، كما ذكرنا ، وكذلك الرمي لا يجوز السبق فيه إلا بغاية معلومة ورشق معلوم  ، ونوع من الإصابة ; مشترط خسقا أو إصابة بغير شرط . والأسباق ثلاثة : سبق يعطيه الوالي أو الرجل غير الوالي من ماله متطوعا  فيجعل للسابق شيئا معلوما ; فمن سبق أخذه . وسبق يخرجه أحد المتسابقين دون صاحبه ، فإن سبقه صاحبه أخذه ، وإن سبق هو صاحبه أخذه ، وحسن أن يمضيه في الوجه الذي أخرجه له ، ولا يرجع إلى ماله ; وهذا مما لا خلاف فيه . والسبق الثالث : اختلف فيه ; وهو أن يخرج كل واحد منهما شيئا مثل ما يخرجه صاحبه ، فأيهما سبق أحرز سبقه وسبق صاحبه ; وهذا الوجه لا يجوز حتى يدخلا بينهما محللا لا يأمنا أن يسبقهما ; فإن سبق المحلل أحرز السبقين جميعا وأخذهما وحده ، وإن سبق أحد المتسابقين أحرز سبقه وأخذ سبق صاحبه ; ولا شيء للمحلل فيه ، ولا شيء عليه . وإن سبق الثاني منهما الثالث كان كمن لم يسبق واحد منهما . وقال أبو علي بن خيران    - من أصحاب  الشافعي    - : وحكم الفرس المحلل أن يكون مجهولا جريه ; وسمي محللا لأنه يحلل السبق للمتسابقين أو له . واتفق العلماء على أنه إن لم يكن بينهما محلل واشترط كل واحد من المتسابقين أنه إن سبق أخذ سبقه وسبق صاحبه  أنه قمار ، ولا يجوز . وفي سنن أبي داود  عن  أبي هريرة  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من   [ ص: 131 ] أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فليس بقمار ومن أدخله وهو يأمن أن يسبق فهو قمار   . وفي الموطأ عن  سعيد بن المسيب  قال : ليس برهان الخيل بأس إذا دخل فيها محلل ، فإن سبق أخذ السبق ، وإن سبق لم يكن عليه شيء   ; وبهذا قال  الشافعي  وجمهور أهل العلم . واختلف في ذلك قول مالك    ; فقال مرة لا يجب المحلل في الخيل ، ولا نأخذ فيه بقول سعيد ، ثم قال : لا يجوز إلا بالمحلل ; وهو الأجود من قوله . 
السادسة : ولا يحمل على الخيل والإبل في المسابقة إلا محتلم  ، ولو ركبها أربابها كان أولى ; وقد روي عن عمر بن الخطاب    - رضي الله عنه - أنه قال : لا يركب الخيل في السباق إلا أربابها   . وقال  الشافعي    : وأقل السبق أن يسبق بالهادي أو بعضه ; أو بالكفل أو بعضه . والسبق من الرماة على هذا النحو عنده ; وقول محمد بن الحسن  في هذا الباب نحو قول  الشافعي    . 
السابعة : روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سابق أبا بكر  وعمر    - رضي الله عنهما - فسبق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصلى أبو بكر  وثلث عمر    ; ومعنى وصلى أبو بكر    : يعني أن رأس فرسه كان عند صلا فرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصلوان موضع العجز . 
قوله تعالى : وتركنا يوسف عند متاعنا  أي عند ثيابنا وأقمشتنا حارسا لها . 
فأكله الذئب  وذلك أنهم لما سمعوا أباهم يقول : وأخاف أن يأكله الذئب  أخذوا ذلك من فيه فتحرموا به ; لأنه كان أظهر المخاوف عليه . 
وما أنت بمؤمن لنا  أي بمصدق . 
" ولو كنا " أي وإن كنا ; قاله المبرد   وابن إسحاق    . " صادقين " في قولنا ; ولم يصدقهم يعقوب  لما ظهر له منهم من قوة التهمة وكثرة الأدلة على خلاف ما قالوه على ما يأتي بيانه . وقيل : ولو كنا صادقين  أي ولو كنا عندك من أهل الثقة والصدق ما صدقتنا ، ولاتهمتنا في هذه القضية ، لشدة محبتك في يوسف    ; قال معناه الطبري  والزجاج  وغيرهما . 
				
						
						
