قوله تعالى : وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يابشرى هذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون   [ ص: 135 ] قوله تعالى : وجاءت سيارة  أي رفقة مارة يسيرون من الشام  إلى مصر  فأخطئوا الطريق وهاموا حتى نزلوا قريبا من الجب ، وكان الجب في قفرة بعيدة من العمران ، إنما هو للرعاة والمجتاز ، وكان ماؤه ملحا فعذب حين ألقي فيه يوسف    . 
فأرسلوا واردهم  فذكر على المعنى ; ولو قال : فأرسلت واردها لكان على اللفظ ، مثل وجاءت . والوارد الذي يرد الماء يستقي للقوم ; وكان اسمه - فيما ذكر المفسرون - مالك بن دعر ، من العرب العاربة . 
فأدلى دلوه  أي أرسله ; يقال : أدلى دلوه إذا أرسلها ليملأها ، ودلاها أي أخرجها : عن الأصمعي  وغيره . ودلا - من ذات الواو - يدلو دلوا ، أي جذب وأخرج ، وكذلك أدلى إذا أرسل ، فلما ثقل ردوه إلى الياء ، لأنها أخف من الواو ; قال الكوفيون    . وقال الخليل   وسيبويه    : لما جاوز ثلاثة أحرف رجع إلى الياء ، اتباعا للمستقبل . وجمع دلو في أقل العدد أدل فإذا كثرت قلت : دلي ودلي ; فقلبت الواو ياء ، إلا أن الجمع بابه التغيير ، وليفرق بين الواحد والجمع ; ودلاء أيضا . 
فتعلق يوسف  بالحبل ، فلما خرج إذا غلام كالقمر ليلة البدر ، أحسن ما يكون من الغلمان . قال - صلى الله عليه وسلم - في حديث الإسراء من صحيح مسلم    : فإذا أنا بيوسف  إذا هو قد أعطي شطر الحسن   . وقال كعب الأحبار    : كان يوسف  حسن الوجه ، جعد الشعر ، ضخم العينين ، مستوي الخلق ، أبيض اللون ، غليظ الساعدين والعضدين ، خميص البطن ، صغير السرة ، إذا ابتسم رأيت النور من ضواحكه ، وإذا تكلم رأيت في كلامه شعاع الشمس من ثناياه ، لا يستطيع أحد وصفه ; وكان حسنه كضوء النهار عند الليل ، وكان يشبه آدم    - عليه السلام - يوم خلقه الله ونفخ فيه من روحه قبل أن يصيب المعصية ، وقيل : إنه ورث ذلك الجمال من جدته سارة    ; وكانت قد أعطيت سدس الحسن ; فلما رآه مالك بن دعر  قال : " يا بشراي هذا غلام " هذه قراءة أهل المدينة   وأهل البصرة     ; إلا ابن أبي إسحاق  فإنه قرأ " يا بشري هذا غلام " فقلب الألف ياء ، لأن هذه الياء يكسر ما قبلها ، فلما لم يجز كسر الألف كان قلبها عوضا . وقرأ أهل الكوفة    " يا بشرى " غير مضاف ; وفي معناه قولان : أحدهما : اسم الغلام ، والثاني : معناه يا أيتها البشرى هذا حينك وأوانك . قال قتادة   والسدي    : لما أدلى المدلي دلوه تعلق بها يوسف  فقال : يا بشرى هذا غلام ; قال قتادة    : بشر أصحابه بأنه وجد عبدا . وقال  السدي    : نادى رجلا اسمه بشرى . قال النحاس    : قول قتادة  أولى ; لأنه لم يأت في القرآن تسمية أحد إلا يسيرا ; وإنما يأتي بالكناية كما قال - عز وجل - : ويوم يعض الظالم على يديه   [ ص: 136 ] وهو عقبة بن أبي معيط  ، وبعده يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا  وهو أمية بن خلف    ; قاله النحاس    . والمعنى في نداء البشرى : التبشير لمن حضر ; وهو أوكد من قولك تبشرت ، كما تقول : يا عجباه ! أي يا عجب هذا من أيامك ومن آياتك ، فاحضر ; وهذا مذهب  سيبويه  ، وكذا قال السهيلي    . وقيل : هو كما تقول : واسروراه ! وأن البشرى مصدر من الاستبشار : وهذا أصح ; لأنه لو كان اسما علما لم يكن مضافا إلى ضمير المتكلم ; وعلى هذا يكون " بشراي " في موضع نصب ، لأنه نداء مضاف ; ومعنى النداء هاهنا التنبيه ، أي انتبهوا لفرحتي وسروري ; وعلى قول  السدي  يكون في موضع رفع كما تقول : يا زيد هذا غلام . ويجوز أن يكون محله نصبا كقولك : يا رجلا ، وقوله : يا حسرة على العباد  ولكنه لم ينون " بشرى " لأنه لا ينصرف . 
وأسروه بضاعة  الهاء كناية عن يوسف    - عليه السلام - فأما الواو فكناية عن إخوته . وقيل : عن التجار الذين اشتروه ، وقيل : عن الوارد وأصحابه . " بضاعة " نصب على الحال . قال مجاهد    : أسره مالك بن دعر  وأصحابه من التجار الذين معهم في الرفقة ، وقالوا لهم : هو بضاعة استبضعناها بعض أهل الشام  أو أهل هذا الماء إلى مصر    ; وإنما قالوا هذا خيفة الشركة . وقال ابن عباس    : أسره إخوة يوسف  بضاعة لما استخرج من الجب ; وذلك أنهم جاءوا فقالوا : بئس ما صنعتم ! هذا عبد لنا أبق ، وقالوا ليوسف  بالعبرانية : إما أن تقر لنا بالعبودية فنبيعك من هؤلاء ، وإما أن نأخذك فنقتلك ; فقال : أنا أقر لكم بالعبودية ، فأقر لهم فباعوه منهم . وقيل : إن يهوذا  وصى أخاه يوسف  بلسانهم أن اعترف لإخوتك بالعبودية فإني أخشى إن لم تفعل قتلوك ; فلعل الله أن يجعل لك مخرجا ، وتنجو من القتل ، فكتم يوسف  شأنه مخافة أن يقتله إخوته ; فقال مالك    : والله ما هذه سمة العبيد ! ، قالوا : هو تربى في حجورنا ، وتخلق بأخلاقنا ، وتأدب بآدابنا ; فقال : ما تقول يا غلام ؟ قال : صدقوا ! تربيت في حجورهم ، وتخلقت بأخلاقهم ; فقال مالك    : إن بعتموه مني اشتريته منكم ; فباعوه منه . 
				
						
						
