قوله : وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا يعلم ما تكسب كل نفس وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب
وقد مكر الذين من قبلهم أي من قبل مشركي قوله تعالى : مكة ، مكروا بالرسل وكادوا لهم وكفروا بهم .
فلله المكر جميعا أي هو مخلوق له مكر الماكرين ، فلا يضر إلا بإذنه . وقيل : فلله خير المكر ; أي يجازيهم به .
يعلم ما تكسب كل نفس من خير وشر ، [ ص: 293 ] فيجازي عليه .
وسيعلم الكافر كذا قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو . الباقون : " الكفار " على الجمع . وقيل : عني به أبو جهل .
لمن عقبى الدار أي عاقبة دار الدنيا ثوابا وعقابا ، أو لمن ; وهذا تهديد ووعيد . الثواب والعقاب في الدار الآخرة
ويقول الذين كفروا لست مرسلا قال قوله تعالى : قتادة : هم مشركو العرب ; أي لست بنبي ولا رسول ، وإنما أنت متقول ; أي لما لم يأتهم بما اقترحوا قالوا ذلك .
قل كفى بالله أي قل لهم يا محمد : كفى بالله أي كفى بالله شهيدا بيني وبينكم بصدقي وكذبكم . ومن عنده علم الكتاب وهذا احتجاج على مشركي العرب لأنهم كانوا يرجعون إلى أهل الكتاب - من آمن منهم - في التفاسير . وقيل : كانت شهادتهم قاطعة لقول الخصوم ; وهم مؤمنو أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وسلمان الفارسي وتميم الداري وأصحابه ، قاله والنجاشي قتادة . وروى وسعيد بن جبير الترمذي عن ابن أخي عبد الله بن سلام قال : لما أريد قتل عثمان جاء فقال له عبد الله بن سلام عثمان : ما جاء بك ؟ قال : جئت في نصرتك ; قال : اخرج إلى الناس فاطردهم عني ، فإنك خارجا خير لي من داخل ; قال فخرج إلى الناس فقال : أيها الناس ! إنه كان اسمي في الجاهلية فلان ، فسماني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن سلام عبد الله ، ونزلت في آيات من كتاب الله ; فنزلت في . وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ونزلت في . قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب الحديث . وقد كتبناه بكماله في كتاب " التذكرة " . وقال فيه أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب . وكان اسمه في الجاهلية حصين فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله . وقال أبو بشر : قلت لسعيد بن جبير ومن عنده علم الكتاب ؟ قال : هو . عبد الله بن سلام
قلت : وكيف يكون وهذه السورة مكية عبد الله بن سلام وابن سلام ما أسلم إلا بالمدينة ؟ ! ذكره الثعلبي . وقال القشيري : وقال السورة مكية ابن جبير وابن سلام أسلم بالمدينة بعد هذه السورة ; فلا يجوز أن تحمل هذه الآية على ابن سلام ; فمن عنده علم الكتاب جبريل ; وهو قول ابن عباس . وقال الحسن ومجاهد والضحاك : هو الله تعالى ; وكانوا يقرءون " ومن عنده علم الكتاب " وينكرون على من يقول : هو عبد الله بن سلام وسلمان ; لأنهم يرون أن السورة مكية ، وهؤلاء أسلموا بالمدينة . وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ ومن عنده علم الكتاب وإن كان في الرواية ضعف ، وروى ذلك سليمان بن أرقم عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ; وروى محبوب عن إسماعيل بن محمد اليماني أنه قرأ كذلك - ومن عنده [ ص: 294 ] بكسر الميم والعين والدال علم الكتاب بضم العين ورفع الكتاب . وقال عبد الله بن عطاء : قلت ، لأبي جعفر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - زعموا أن الذي عنده علم الكتاب فقال : إنما ذلك عبد الله بن سلام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ; وكذلك قال . وقيل : جميع المؤمنين ، والله أعلم . قال محمد ابن الحنفية : أما من قال إنه القاضي أبو بكر بن العربي علي فعول على أحد وجهين : إما لأنه عنده أعلم المؤمنين وليس كذلك ; بل أبو بكر وعمر وعثمان أعلم منه . ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - . ( وعلي بابها ) وهو حديث باطل ; النبي - صلى الله عليه وسلم - مدينة علم وأصحابه أبوابها ; فمنهم الباب المنفسح ، ومنهم المتوسط ، على قدر منازلهم في العلوم . وأما من قال إنهم جميع المؤمنين فصدق ; لأن كل مؤمن يعلم الكتاب ، ويدرك وجه إعجازه ، ويشهد للنبي - صلى الله عليه وسلم - بصدقه . أنا مدينة العلم
قلت : فالكتاب على هذا هو القرآن . وأما من قال هو فعول على حديث عبد الله بن سلام الترمذي ; وليس يمتنع أن ينزل في شيئا ويتناول جميع المؤمنين لفظا ; ويعضده من النظام أن قوله تعالى : عبد الله بن سلام ويقول الذين كفروا يعني قريشا ; فالذين عندهم علم الكتاب هم المؤمنون من اليهود والنصارى ، الذين هم إلى معرفة النبوة والكتاب أقرب من عبدة الأوثان . قال النحاس : وقول من قال هو وغيره يحتمل أيضا ; لأن البراهين إذا صحت وعرفها من قرأ الكتب التي أنزلت قبل القرآن كان أمرا مؤكدا ; والله أعلم بحقيقة ذلك . عبد الله بن سلام