قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون nindex.php?page=treesubj&link=32285قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69ثم كلي من كل الثمرات وذلك أنها إنما تأكل النوار من الأشجار .
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69فاسلكي سبل ربك ذللا أي طرق ربك . والسبل : الطرق ، وأضافها إليه لأنه خالقها . أي ادخلي طرق ربك لطلب الرزق في الجبال وخلال الشجر .
ذللا جمع ذلول وهو المنقاد ; أي مطيعة مسخرة . ف ذللا حال من النحل . أي تنقاد وتذهب حيث شاء صاحبها ; لأنها تتبع أصحابها حيث ذهبوا ; قاله
ابن زيد . وقيل : المراد بقوله ذللا السبل . يقول : مذلل طرقها سهلة للسلوك عليها ; واختاره
الطبري ، وذللا حال من السبل . واليعسوب سيد النحل ، إذا وقف وقفت وإذا سار سارت .
nindex.php?page=treesubj&link=32285قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس
فيه تسع مسائل :
الأولى : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69يخرج من بطونها رجع الخطاب إلى الخبر على جهة تعديد النعمة والتنبيه على العبرة فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69يخرج من بطونها شراب يعني العسل . وجمهور الناس على أن العسل يخرج من أفواه النحل ; وورد عن
علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال في تحقيره للدنيا : أشرف لباس ابن
آدم فيها لعاب دودة ، وأشرف شرابه رجيع نحلة . فظاهر هذا
[ ص: 123 ] أنه من غير الفم . وبالجملة فإنه يخرج ولا يدرى من فيها أو أسفلها ، ولكن لا يتم صلاحه إلا بحمي أنفاسها . وقد صنع
أرسطاطاليس بيتا من زجاج لينظر إلى كيفية ما تصنع ، فأبت أن تعمل حتى لطخت باطن
الزجاج بالطين ; ذكره
الغزنوي . وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69من بطونها لأن استحالة الأطعمة لا تكون إلا في البطن .
الثانية :
nindex.php?page=treesubj&link=32285قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69مختلف ألوانه يريد أنواعه من الأحمر والأبيض والأصفر والجامد والسائل ، والأم واحدة والأولاد مختلفون دليل على أن القدرة نوعته بحسب تنويع الغذاء ، كما يختلف طعمه بحسب اختلاف المراعي ; ومن هذا المعنى
nindex.php?page=hadith&LINKID=835433قول زينب للنبي - صلى الله عليه وسلم - : ( جرست نحله العرفط ) حين شبهت رائحته برائحة المغافير .
الثالثة :
nindex.php?page=treesubj&link=32285قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69فيه شفاء للناس الضمير للعسل ; قال الجمهور . أي في العسل شفاء للناس . وروي عن
ابن عباس والحسن ومجاهد والضحاك والفراء وابن كيسان : الضمير للقرآن ; أي في القرآن شفاء .
النحاس : وهذا قول
حسن ; أو فيما قصصنا عليكم من الآيات والبراهين شفاء للناس . وقيل : العسل فيه شفاء ، وهذا القول بين أيضا ; لأن أكثر الأشربة والمعجونات التي يتعالج بها أصلها من العسل . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815القاضي أبو بكر بن العربي : من قال إنه القرآن بعيد ما أراه يصح عنهم ، ولو صح نقلا لم يصح عقلا ; فإن مساق الكلام كله للعسل ، ليس للقرآن فيه ذكر . قال
ابن عطية : وذهب قوم من أهل الجهالة إلى أن هذه الآية يراد بها
أهل البيت وبنو هاشم ، وأنهم النحل ، وأن الشراب القرآن والحكمة ، وقد ذكر هذا بعضهم في مجلس
nindex.php?page=showalam&ids=15337المنصور أبي جعفر العباسي ، فقال له رجل ممن حضر : جعل الله طعامك وشرابك مما يخرج من بطون
بني هاشم ، فأضحك الحاضرين وبهت الآخر وظهرت سخافة قوله .
الرابعة : اختلف العلماء في قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69فيه شفاء للناس هل هو على عمومه أم لا ; فقالت طائفة : هو على العموم في كل حال ولكل أحد ، فروي عن
ابن عمر أنه كان لا يشكو قرحة ولا شيئا إلا جعل عليه عسلا ، حتى الدمل إذا خرج عليه طلى عليه عسلا . وحكى
النقاش عن
أبي وجرة أنه كان يكتحل بالعسل ويستمشي بالعسل ويتداوى بالعسل . وروي أن
nindex.php?page=showalam&ids=6201عوف بن مالك الأشجعي مرض فقيل له : ألا نعالجك ؟ فقال : ائتوني بالماء ، فإن الله - تعالى -
[ ص: 124 ] يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=9ونزلنا من السماء ماء مباركا ثم قال : ائتوني بعسل ، فإن الله - تعالى - يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69فيه شفاء للناس وائتوني بزيت ، فإن الله - تعالى - يقول : من شجرة مباركة فجاءوه بذلك كله فخلطه جميعا ثم شربه فبرئ . ومنهم من قال : إنه على العموم إذا خلط بالخل ويطبخ فيأتي شرابا ينتفع به في كل حالة من كل داء . وقالت طائفة : إن ذلك على الخصوص ولا يقتضي العموم في كل علة وفي كل إنسان ، بل إنه خبر عن أنه يشفي كما يشفي غيره من الأدوية في بعض وعلى حال دون حال ; ففائدة الآية إخبار منه في أنه دواء لما كثر الشفاء به وصار خليطا ومعينا للأدوية في الأشربة والمعاجين ; وليس هذا بأول لفظ خصص فالقرآن مملوء منه ولغة العرب يأتي فيها العام كثيرا بمعنى الخاص والخاص بمعنى العام . ومما يدل على أنه ليس على العموم أن " شفاء " نكرة في سياق الإثبات ، ولا عموم فيها باتفاق أهل اللسان ومحققي أهل العلم ومختلفي أهل الأصول . لكن قد حملته طائفة من أهل الصدق والعزم على العموم . فكانوا يستشفون بالعسل من كل الأوجاع والأمراض ، وكانوا يشفون من عللهم ببركة القرآن وبصحة التصديق والإيقان .
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : ومن ضعفت نيته وغلبته على الدين عادته أخذه مفهوما على قول الأطباء ، والكل من حكم الفعال لما يشاء .
الخامسة : إن قال قائل :
nindex.php?page=treesubj&link=17338قد رأينا من ينفعه العسل ومن يضره ، فكيف يكون شفاء للناس ؟ قيل له : الماء حياة كل شيء وقد رأينا من يقتله الماء إذا أخذه على ما يضاده من علة في البدن ، وقد رأينا شفاء العسل في أكثر هذه الأشربة ; قال معناه
الزجاج . وقد اتفق الأطباء عن بكرة أبيهم على مدح عموم منفعة السكنجبين في كل مرض ، وأصله العسل وكذلك سائر المعجونات ، على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد حسم داء الإشكال وأزاح وجه الاحتمال حين
nindex.php?page=hadith&LINKID=839590أمر الذي يشتكي بطنه بشرب العسل ، فلما أخبره أخوه بأنه لم يزده إلا استطلاقا أمره بعود الشراب له فبرئ ; وقال : صدق الله وكذب بطن أخيك .
السادسة : اعترض بعض زنادقة الأطباء على هذا الحديث فقال : قد أجمعت الأطباء على أن
nindex.php?page=treesubj&link=17338العسل يسهل فكيف يوصف لمن به الإسهال ; فالجواب أن ذلك القول حق في نفسه
[ ص: 125 ] لمن حصل له التصديق بنبيه - عليه السلام - ، فيستعمله على الوجه الذي عينه وفي المحل الذي أمره بعقد نية وحسن طوية ، فإنه يرى منفعته ويدرك بركته ، كما قد اتفق لصاحب هذا العسل وغيره كما تقدم . وأما ما حكي من الإجماع فدليل على جهله بالنقل حيث لم يقيد وأطلق . قال
nindex.php?page=showalam&ids=15140الإمام أبو عبد الله المازري : ينبغي أن يعلم أن الإسهال يعرض من ضروب كثيرة ، منها الإسهال الحادث عن التخم والهيضات ; والأطباء مجمعون في مثل هذا على أن علاجه بأن يترك للطبيعة وفعلها ، وإن احتاجت إلى معين على الإسهال أعينت ما دامت القوة باقية ، فأما حبسها فضرر ، فإذا وضح هذا قلنا : فيمكن أن يكون ذلك الرجل أصابه الإسهال عن امتلاء وهيضة فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بشرب العسل فزاده إلى أن فنيت المادة فوقف الإسهال فوافقه شرب العسل . فإذا خرج هذا عن صناعة الطب أذن ذلك بجهل المعترض بتلك الصناعة . قال : ولسنا نستظهر على قول نبينا بأن يصدقه الأطباء بل لو كذبوه لكذبناهم ولكفرناهم وصدقناه - صلى الله عليه وسلم - ; فإن أوجدونا بالمشاهدة صحة ما قالوه فنفتقر حينئذ إلى تأويل كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتخريجه على ما يصح إذ قامت الدلالة على أنه لا يكذب .
السابعة : في قوله - تعالى - : فيه شفاء للناس دليل على جواز
nindex.php?page=treesubj&link=17257التعالج بشرب الدواء وغير ذلك خلافا لمن كره ذلك من جلة العلماء ، وهو يرد على
الصوفية الذين يزعمون أن الولاية لا تتم إلا إذا رضي بجميع ما نزل به من البلاء ، ولا يجوز له مداواة . ولا معنى لمن أنكر ذلك ، روى الصحيح عن
جابر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835434لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله . وروى
أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي عن
أسامة بن شريك قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835435قالت الأعراب : ألا نتداوى يا رسول الله ؟ قال : نعم . يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو دواء إلا داء واحدا قالوا : يا رسول الله وما هو ؟ قال : الهرم لفظ
الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح . وروي عن
أبي خزامة عن أبيه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835436سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله ، أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها ، هل ترد من قدر الله شيئا ؟ قال : هي من قدر [ ص: 126 ] الله قال : حديث حسن ، ولا يعرف
لأبي خزامة غير هذا الحديث . وقال - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835437nindex.php?page=treesubj&link=17338_32184_17359إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم أو شربة من عسل أو لذعة بنار وما أحب أن أكتوي أخرجه الصحيح . والأحاديث في هذا الباب أكثر من أن تحصى . وعلى إباحة
nindex.php?page=treesubj&link=17257_17441التداوي والاسترقاء جمهور العلماء . روي أن
ابن عمر اكتوى من اللقوة ورقي من العقرب . وعن
ابن سيرين أن
ابن عمر كان يسقي ولده الترياق . وقال
مالك : لا بأس بذلك . وقد احتج من كره ذلك بما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=839595دخلت أمة بقضها وقضيضها الجنة كانوا لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون . قالوا : فالواجب على المؤمن أن يترك ذلك اعتصاما بالله وتوكلا عليه وثقة به وانقطاعا إليه ; فإن الله - تعالى - قد علم أيام المرض وأيام الصحة فلو حرص الخلق على تقليل ذلك أو زيادته ما قدروا ; قال الله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=22ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها . وممن ذهب إلى هذا جماعة من أهل الفضل والأثر ، وهو قول
ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=4وأبي الدرداء رضوان الله عليهم . دخل
عثمان بن عفان على
ابن مسعود في مرضه الذي قبض فيه فقال له
عثمان : ما تشتكي ؟ قال ذنوبي . قال : فما تشتهي ؟ قال : رحمة ربي . قال : ألا أدعو لك طبيبا ؟ قال : الطبيب أمرضني . . . وذكر الحديث . وسيأتي بكماله في فضل الواقعة إن شاء الله - تعالى - . وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع قال : حدثنا
أبو هلال عن
معاوية بن قرة قال : مرض
أبو الدرداء فعادوه وقالوا : ألا ندعو لك طبيبا ؟ قال : الطبيب أضجعني . وإلى هذا ذهب
الربيع بن خثيم . وكره
سعيد بن جبير الرقى .
[ ص: 127 ] وكان
الحسن يكره شرب الأدوية كلها إلا اللبن والعسل . وأجاب الأولون عن الحديث بأنه لا حجة فيه ، لأنه يحتمل أن يكون قصد إلى نوع من الكي مكروه بدليل
nindex.php?page=hadith&LINKID=839596كي النبي - صلى الله عليه وسلم - أبيا يوم الأحزاب على أكحله لما رمي . وقال : الشفاء في ثلاثة كما تقدم . ويحتمل أن يكون قصد إلى الرقى بما ليس في كتاب الله ، وقد قال - سبحانه وتعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=82وننزل من القرآن ما هو شفاء على ما يأتي بيانه . ورقى أصحابه وأمرهم بالرقية ; على ما يأتي بيانه .
الثامنة : ذهب مالك وجماعة أصحابه إلى أن لا زكاة في العسل وإن كان مطعوما مقتاتا . واختلف فيه قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، والذى قطع به في قوله الجديد : أنه لا زكاة فيه . وقال
أبو حنيفة بوجوب
nindex.php?page=treesubj&link=2955زكاة العسل في قليله وكثيره ; لأن النصاب عنده فيه ليس بشرط . وقال
محمد بن الحسن :
nindex.php?page=treesubj&link=2957لا شيء فيه حتى يبلغ ثمانية أفراق ، والفرق ستة وثلاثون رطلا من أرطال
العراق . وقال
أبو يوسف : في كل عشرة أزقاق زق ; متمسكا بما رواه
الترمذي عن
ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835438في العسل في كل عشرة أزقاق زق قال
أبو عيسى : في إسناده مقال ، ولا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب كبير شيء ، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم ، وبه يقول
أحمد وإسحاق ، وقال بعض أهل العلم : ليس في العسل شيء .
التاسعة :
nindex.php?page=treesubj&link=32285قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=11إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون أي يعتبرون ; ومن العبرة في النحل بإنصاف النظر وإلطاف الفكر في عجيب أمرها . فيشهد اليقين بأن ملهمها الصنعة اللطيفة مع البنية الضعيفة ، وحذقها باحتيالها في تفاوت أحوالها هو الله - سبحانه وتعالى - ; كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=68وأوحى ربك إلى النحل الآية . ثم أنها تأكل الحامض والمر والحلو والمالح والحشائش الضارة ، فيجعله الله - تعالى - عسلا حلوا وشفاء ، وفي هذا دليل على قدرته .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ nindex.php?page=treesubj&link=32285قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَذَلِكَ أَنَّهَا إِنَّمَا تَأْكُلُ النُّوَّارَ مِنَ الْأَشْجَارِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا أَيْ طُرُقَ رَبِّكِ . وَالسُّبُلُ : الطُّرُقُ ، وَأَضَافَهَا إِلَيْهِ لِأَنَّهُ خَالِقُهَا . أَيِ ادْخُلِي طُرُقَ رَبِّكِ لِطَلَبِ الرِّزْقِ فِي الْجِبَالِ وَخِلَالِ الشَّجَرِ .
ذُلُلًا جَمْعُ ذَلُولٍ وَهُوَ الْمُنْقَادُ ; أَيْ مُطِيعَةً مُسَخَّرَةً . فَ ذُلُلًا حَالٌ مِنَ النَّحْلِ . أَيْ تَنْقَادُ وَتَذْهَبُ حَيْثُ شَاءَ صَاحِبُهَا ; لِأَنَّهَا تَتْبَعُ أَصْحَابَهَا حَيْثُ ذَهَبُوا ; قَالَهُ
ابْنُ زَيْدٍ . وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ذُلُلًا السُّبُلُ . يَقُولُ : مُذَلَّلٌ طُرُقُهَا سَهْلَةٌ لِلسُّلُوكِ عَلَيْهَا ; وَاخْتَارَهُ
الطَّبَرِيُّ ، وَذُلُلًا حَالٌ مِنَ السُّبُلِ . وَالْيَعْسُوبُ سَيِّدُ النَّحْلِ ، إِذَا وَقَفَ وَقَفَتْ وَإِذَا سَارَ سَارَتْ .
nindex.php?page=treesubj&link=32285قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ
فِيهِ تِسْعُ مَسَائِلَ :
الْأُولَى : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا رَجَعَ الْخِطَابُ إِلَى الْخَبَرِ عَلَى جِهَةِ تَعْدِيدِ النِّعْمَةِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى الْعِبْرَةِ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ يَعْنِي الْعَسَلَ . وَجُمْهُورُ النَّاسِ عَلَى أَنَّ الْعَسَلَ يَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِ النَّحْلِ ; وَوَرَدَ عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ فِي تَحْقِيرِهِ لِلدُّنْيَا : أَشْرَفُ لِبَاسِ ابْنِ
آدَمَ فِيهَا لُعَابُ دُودَةٍ ، وَأَشْرَفُ شَرَابِهِ رَجِيعُ نَحْلَةٍ . فَظَاهِرُ هَذَا
[ ص: 123 ] أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ الْفَمِ . وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ وَلَا يُدْرَى مِنْ فِيهَا أَوْ أَسْفَلَهَا ، وَلَكِنْ لَا يَتِمُّ صَلَاحُهُ إِلَّا بِحَمِيِّ أَنْفَاسِهَا . وَقَدْ صَنَعَ
أَرِسْطَاطَالِيسُ بَيْتًا مِنْ زُجَاجٍ لِيَنْظُرَ إِلَى كَيْفِيَّةِ مَا تَصْنَعُ ، فَأَبَتْ أَنْ تَعْمَلَ حَتَّى لَطَّخَتْ بَاطِنَ
الزَّجَّاجِ بِالطِّينِ ; ذَكَرَهُ
الْغَزْنَوِيُّ . وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69مِنْ بُطُونِهَا لِأَنَّ اسْتِحَالَةَ الْأَطْعِمَةِ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي الْبَطْنِ .
الثَّانِيَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=32285قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ يُرِيدُ أَنْوَاعَهُ مِنَ الْأَحْمَرِ وَالْأَبْيَضِ وَالْأَصْفَرِ وَالْجَامِدِ وَالسَّائِلِ ، وَالْأُمَّ وَاحِدَةٌ وَالْأَوْلَادُ مُخْتَلِفُونَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقُدْرَةَ نَوَّعَتْهُ بِحَسَبِ تَنْوِيعِ الْغِذَاءِ ، كَمَا يَخْتَلِفُ طَعْمُهُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَرَاعِي ; وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى
nindex.php?page=hadith&LINKID=835433قَوْلُ زَيْنَبَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ ) حِينَ شَبَّهَتْ رَائِحَتَهُ بِرَائِحَةِ الْمَغَافِيرِ .
الثَّالِثَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=32285قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ الضَّمِيرُ لِلْعَسَلِ ; قَالَ الْجُمْهُورُ . أَيْ فِي الْعَسَلِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ . وَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ وَالْفَرَّاءِ وَابْنِ كَيْسَانَ : الضَّمِيرُ لِلْقُرْآنِ ; أَيْ فِي الْقُرْآنِ شِفَاءٌ .
النَّحَّاسُ : وَهَذَا قَوْلٌ
حَسَنٌ ; أَوْ فِيمَا قَصَصْنَا عَلَيْكُمْ مِنَ الْآيَاتِ وَالْبَرَاهِينِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ . وَقِيلَ : الْعَسَلُ فِيهِ شِفَاءٌ ، وَهَذَا الْقَوْلُ بَيِّنٌ أَيْضًا ; لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَشْرِبَةِ وَالْمَعْجُونَاتِ الَّتِي يُتَعَالَجُ بِهَا أَصْلُهَا مِنَ الْعَسَلِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ : مَنْ قَالَ إِنَّهُ الْقُرْآنُ بَعِيدٌ مَا أَرَاهُ يَصِحُّ عَنْهُمْ ، وَلَوْ صَحَّ نَقْلًا لَمْ يَصِحَّ عَقْلًا ; فَإِنَّ مَسَاقَ الْكَلَامِ كُلُّهُ لِلْعَسَلِ ، لَيْسَ لِلْقُرْآنِ فِيهِ ذِكْرٌ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْجَهَالَةِ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ يُرَادُ بِهَا
أَهْلُ الْبَيْتِ وَبَنُو هَاشِمٍ ، وَأَنَّهُمُ النَّحْلُ ، وَأَنَّ الشَّرَابَ الْقُرْآنُ وَالْحِكْمَةُ ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا بَعْضُهُمْ فِي مَجْلِسِ
nindex.php?page=showalam&ids=15337الْمَنْصُورِ أَبِي جَعْفَرٍ الْعَبَّاسِيِّ ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِمَّنْ حَضَرَ : جَعَلَ اللَّهُ طَعَامَكَ وَشَرَابَكَ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِ
بَنِي هَاشِمٍ ، فَأَضْحَكَ الْحَاضِرِينَ وَبُهِتَ الْآخَرُ وَظَهَرَتْ سَخَافَةُ قَوْلِهِ .
الرَّابِعَةُ : اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ هَلْ هُوَ عَلَى عُمُومِهِ أَمْ لَا ; فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : هُوَ عَلَى الْعُمُومِ فِي كُلِّ حَالٍ وَلِكُلِّ أَحَدٍ ، فَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَشْكُو قُرْحَةً وَلَا شَيْئًا إِلَّا جَعَلَ عَلَيْهِ عَسَلًا ، حَتَّى الدُّمَّلَ إِذَا خَرَجَ عَلَيْهِ طَلَى عَلَيْهِ عَسَلًا . وَحَكَى
النَّقَّاشُ عَنْ
أَبِي وَجْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَكْتَحِلُ بِالْعَسَلِ وَيَسْتَمْشِي بِالْعَسَلِ وَيَتَدَاوَى بِالْعَسَلِ . وَرُوِيَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=6201عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيَّ مَرِضَ فَقِيلَ لَهُ : أَلَا نُعَالِجُكَ ؟ فَقَالَ : ائْتُونِي بِالْمَاءِ ، فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى -
[ ص: 124 ] يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=9وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا ثُمَّ قَالَ : ائْتُونِي بِعَسَلٍ ، فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ وَائْتُونِي بِزَيْتٍ ، فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يَقُولُ : مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ فَجَاءُوهُ بِذَلِكَ كُلِّهِ فَخَلَطَهُ جَمِيعًا ثُمَّ شَرِبَهُ فَبَرِئَ . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنَّهُ عَلَى الْعُمُومِ إِذَا خُلِطَ بِالْخَلِّ وَيُطْبَخُ فَيَأْتِي شَرَابًا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي كُلِّ حَالَةٍ مِنْ كُلِّ دَاءٍ . وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الْخُصُوصِ وَلَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي كُلِّ عِلَّةٍ وَفِي كُلِّ إِنْسَانٍ ، بَلْ إِنَّهُ خَبَرٌ عَنْ أَنَّهُ يَشْفِي كَمَا يَشْفِي غَيْرُهُ مِنَ الْأَدْوِيَةِ فِي بَعْضٍ وَعَلَى حَالٍ دُونَ حَالٍ ; فَفَائِدَةُ الْآيَةِ إِخْبَارٌ مِنْهُ فِي أَنَّهُ دَوَاءٌ لَمَّا كَثُرَ الشِّفَاءُ بِهِ وَصَارَ خَلِيطًا وَمُعِينًا لِلْأَدْوِيَةِ فِي الْأَشْرِبَةِ وَالْمَعَاجِينِ ; وَلَيْسَ هَذَا بِأَوَّلِ لَفْظٍ خُصِّصَ فَالْقُرْآنُ مَمْلُوءٌ مِنْهُ وَلُغَةُ الْعَرَبِ يَأْتِي فِيهَا الْعَامُّ كَثِيرًا بِمَعْنَى الْخَاصِّ وَالْخَاصُّ بِمَعْنَى الْعَامِّ . وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْعُمُومِ أَنَّ " شِفَاءٌ " نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ ، وَلَا عُمُومَ فِيهَا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللِّسَانِ وَمُحَقِّقِي أَهْلِ الْعِلْمِ وَمُخْتَلِفِي أَهْلِ الْأُصُولِ . لَكِنْ قَدْ حَمَلَتْهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالْعَزْمِ عَلَى الْعُمُومِ . فَكَانُوا يَسْتَشْفُونَ بِالْعَسَلِ مِنْ كُلِّ الْأَوْجَاعِ وَالْأَمْرَاضِ ، وَكَانُوا يُشْفَوْنَ مِنْ عِلَلِهِمْ بِبَرَكَةِ الْقُرْآنِ وَبِصِحَّةِ التَّصْدِيقِ وَالْإِيقَانِ .
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ : وَمَنْ ضَعُفَتْ نِيَّتُهُ وَغَلَبَتْهُ عَلَى الدِّينِ عَادَتُهُ أَخَذَهُ مَفْهُومًا عَلَى قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ ، وَالْكُلُّ مِنْ حِكَمِ الْفَعَّالِ لِمَا يَشَاءُ .
الْخَامِسَةُ : إِنْ قَالَ قَائِلٌ :
nindex.php?page=treesubj&link=17338قَدْ رَأَيْنَا مَنْ يَنْفَعُهُ الْعَسَلُ وَمَنْ يَضُرُّهُ ، فَكَيْفَ يَكُونُ شِفَاءً لِلنَّاسِ ؟ قِيلَ لَهُ : الْمَاءُ حَيَاةُ كُلِّ شَيْءٍ وَقَدْ رَأَيْنَا مَنْ يَقْتُلُهُ الْمَاءُ إِذَا أَخَذَهُ عَلَى مَا يُضَادُّهُ مِنْ عِلَّةٍ فِي الْبَدَنِ ، وَقَدْ رَأَيْنَا شِفَاءَ الْعَسَلِ فِي أَكْثَرِ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ ; قَالَ مَعْنَاهُ
الزَّجَّاجُ . وَقَدِ اتَّفَقَ الْأَطِبَّاءُ عَنْ بَكْرَةِ أَبِيهِمْ عَلَى مَدْحِ عُمُومِ مَنْفَعَةِ السَّكَنْجَبِينِ فِي كُلِّ مَرَضٍ ، وَأَصْلُهُ الْعَسَلُ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْمَعْجُونَاتِ ، عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ حَسَمَ دَاءَ الْإِشْكَالِ وَأَزَاحَ وَجْهَ الِاحْتِمَالِ حِينَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=839590أَمَرَ الَّذِي يَشْتَكِي بَطْنَهُ بِشُرْبِ الْعَسَلِ ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُ أَخُوهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَزِدْهُ إِلَّا اسْتِطْلَاقًا أَمَرَهُ بِعَوْدِ الشَّرَابِ لَهُ فَبَرِئَ ; وَقَالَ : صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ .
السَّادِسَةُ : اعْتَرَضَ بَعْضُ زَنَادِقَةِ الْأَطِبَّاءِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ : قَدْ أَجْمَعَتِ الْأَطِبَّاءُ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=17338الْعَسَلَ يُسْهِلُ فَكَيْفَ يُوصَفُ لِمَنْ بِهِ الْإِسْهَالُ ; فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ حَقٌّ فِي نَفْسِهِ
[ ص: 125 ] لِمَنْ حَصَلَ لَهُ التَّصْدِيقُ بِنَبِيِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، فَيَسْتَعْمِلُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي عَيَّنَهُ وَفِي الْمَحَلِّ الَّذِي أَمَرَهُ بِعَقْدِ نِيَّةٍ وَحُسْنِ طَوِيَّةٍ ، فَإِنَّهُ يَرَى مَنْفَعَتَهُ وَيُدْرِكُ بَرَكَتَهُ ، كَمَا قَدِ اتَّفَقَ لِصَاحِبِ هَذَا الْعَسَلِ وَغَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ . وَأَمَّا مَا حُكِيَ مِنَ الْإِجْمَاعِ فَدَلِيلٌ عَلَى جَهْلِهِ بِالنَّقْلِ حَيْثُ لَمْ يُقَيِّدْ وَأَطْلَقَ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15140الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ : يَنْبَغِي أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْإِسْهَالَ يَعْرِضُ مِنْ ضُرُوبٍ كَثِيرَةٍ ، مِنْهَا الْإِسْهَالُ الْحَادِثُ عَنِ التُّخَمِ وَالْهَيْضَاتِ ; وَالْأَطِبَّاءُ مُجْمِعُونَ فِي مِثْلِ هَذَا عَلَى أَنَّ عِلَاجَهُ بِأَنْ يُتْرَكَ لِلطَّبِيعَةِ وَفِعْلِهَا ، وَإِنِ احْتَاجَتْ إِلَى مُعِينٍ عَلَى الْإِسْهَالِ أُعِينَتْ مَا دَامَتِ الْقُوَّةُ بَاقِيَةٌ ، فَأَمَّا حَبْسُهَا فَضَرَرٌ ، فَإِذَا وَضَحَ هَذَا قُلْنَا : فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَصَابَهُ الْإِسْهَالُ عَنِ امْتِلَاءٍ وَهَيْضَةٍ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشُرْبِ الْعَسَلِ فَزَادَهُ إِلَى أَنْ فَنِيَتِ الْمَادَّةُ فَوَقَفَ الْإِسْهَالُ فَوَافَقَهُ شُرْبُ الْعَسَلِ . فَإِذَا خَرَجَ هَذَا عَنْ صِنَاعَةِ الطِّبِّ أَذِنَ ذَلِكَ بِجَهْلِ الْمُعْتَرِضِ بِتِلْكَ الصِّنَاعَةِ . قَالَ : وَلَسْنَا نَسْتَظْهِرُ عَلَى قَوْلِ نَبِيِّنَا بِأَنْ يُصَدِّقَهُ الْأَطِبَّاءُ بَلْ لَوْ كَذَّبُوهُ لَكَذَّبْنَاهُمْ وَلَكَفَّرْنَاهُمْ وَصَدَّقْنَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; فَإِنْ أَوْجَدُونَا بِالْمُشَاهَدَةِ صِحَّةَ مَا قَالُوهُ فَنَفْتَقِرُ حِينَئِذٍ إِلَى تَأْوِيلِ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَخْرِيجِهِ عَلَى مَا يَصِحُّ إِذْ قَامَتِ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْذِبُ .
السَّابِعَةُ : فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - : فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=17257التَّعَالُجِ بِشُرْبِ الدَّوَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ خِلَافًا لِمَنْ كَرِهَ ذَلِكَ مِنْ جِلَّةِ الْعُلَمَاءِ ، وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى
الصُّوفِيَّةِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْوِلَايَةَ لَا تَتِمُّ إِلَّا إِذَا رَضِيَ بِجَمِيعِ مَا نَزَلَ بِهِ مِنَ الْبَلَاءِ ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ مُدَاوَاةً . وَلَا مَعْنَى لِمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ ، رَوَى الصَّحِيحُ عَنْ
جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835434لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ . وَرَوَى
أَبُو دَاوُدَ nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ
أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835435قَالَتِ الْأَعْرَابُ : أَلَا نَتَدَاوَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ . يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً أَوْ دَوَاءً إِلَّا دَاءً وَاحِدًا قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : الْهَرَمُ لَفْظُ
التِّرْمِذِيِّ ، وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ . وَرُوِيَ عَنْ
أَبِي خُزَامَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835436سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ رُقًى نَسْتَرْقِيهَا وَدَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ وَتُقَاةً نَتَّقِيهَا ، هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا ؟ قَالَ : هِيَ مِنْ قَدَرِ [ ص: 126 ] اللَّهِ قَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ ، وَلَا يُعْرَفُ
لِأَبِي خُزَامَةَ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ . وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835437nindex.php?page=treesubj&link=17338_32184_17359إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةٍ مِنْ عَسَلٍ أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ أَخْرَجَهُ الصَّحِيحُ . وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى . وَعَلَى إِبَاحَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=17257_17441التَّدَاوِي وَالِاسْتِرْقَاءِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ . رُوِيَ أَنَّ
ابْنَ عُمَرَ اكْتَوَى مِنَ اللَّقْوَةِ وَرُقِيَ مِنَ الْعَقْرَبِ . وَعَنِ
ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ
ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَسْقِي وَلَدَهُ التِّرْيَاقَ . وَقَالَ
مَالِكٌ : لَا بَأْسَ بِذَلِكَ . وَقَدِ احْتَجَّ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=839595دَخَلَتْ أُمَّةٌ بِقَضِّهَا وَقَضِيضَهَا الْجَنَّةَ كَانُوا لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ . قَالُوا : فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ اعْتِصَامًا بِاللَّهِ وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ وَثِقَةً بِهِ وَانْقِطَاعًا إِلَيْهِ ; فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَدْ عَلِمَ أَيَّامَ الْمَرَضِ وَأَيَّامَ الصِّحَّةِ فَلَوْ حَرَصَ الْخَلْقُ عَلَى تَقْلِيلِ ذَلِكَ أَوْ زِيَادَتِهِ مَا قَدَرُوا ; قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=22مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا . وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالْأَثَرِ ، وَهُوَ قَوْلُ
ابْنِ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=4وَأَبِي الدَّرْدَاءِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ . دَخَلَ
عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَلَى
ابْنِ مَسْعُودٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ فَقَالَ لَهُ
عُثْمَانُ : مَا تَشْتَكِي ؟ قَالَ ذُنُوبِي . قَالَ : فَمَا تَشْتَهِي ؟ قَالَ : رَحْمَةَ رَبِّي . قَالَ : أَلَا أَدْعُو لَكَ طَبِيبًا ؟ قَالَ : الطَّبِيبُ أَمْرَضَنِي . . . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ . وَسَيَأْتِي بِكَمَالِهِ فِي فَضْلِ الْوَاقِعَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - . وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=17277وَكِيعٌ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو هِلَالٍ عَنْ
مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قَالَ : مَرِضَ
أَبُو الدَّرْدَاءِ فَعَادُوهُ وَقَالُوا : أَلَا نَدْعُو لَكَ طَبِيبًا ؟ قَالَ : الطَّبِيبُ أَضْجَعَنِي . وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ
الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ . وَكَرِهَ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ الرُّقَى .
[ ص: 127 ] وَكَانَ
الْحَسَنُ يَكْرَهُ شُرْبَ الْأَدْوِيَةِ كُلِّهَا إِلَّا اللَّبَنَ وَالْعَسَلَ . وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ ، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ إِلَى نَوْعٍ مِنَ الْكَيِّ مَكْرُوهٍ بِدَلِيلِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=839596كَيِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُبَيًّا يَوْمَ الْأَحْزَابِ عَلَى أَكْحَلِهِ لَمَّا رُمِيَ . وَقَالَ : الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ . وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ إِلَى الرُّقَى بِمَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ، وَقَدْ قَالَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=82وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ . وَرَقَى أَصْحَابَهُ وَأَمَرَهُمْ بِالرُّقْيَةِ ; عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ .
الثَّامِنَةُ : ذَهَبَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةُ أَصْحَابِهِ إِلَى أَنْ لَا زَكَاةَ فِي الْعَسَلِ وَإِنْ كَانَ مَطْعُومًا مُقْتَاتًا . وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ، وَالَذَى قَطَعَ بِهِ فِي قَوْلِهِ الْجَدِيدِ : أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ . وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ بِوُجُوبِ
nindex.php?page=treesubj&link=2955زَكَاةِ الْعَسَلِ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ ; لِأَنَّ النِّصَابَ عِنْدَهُ فِيهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ . وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ :
nindex.php?page=treesubj&link=2957لَا شَيْءَ فِيهِ حَتَّى يَبْلُغَ ثَمَانِيَةَ أَفْرَاقٍ ، وَالْفَرْقُ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ رِطْلًا مِنْ أَرْطَالِ
الْعِرَاقِ . وَقَالَ
أَبُو يُوسُفَ : فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَزْقَاقٍ زِقٌّ ; مُتَمَسِّكًا بِمَا رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835438فِي الْعَسَلِ فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَزْقَاقٍ زِقٌّ قَالَ
أَبُو عِيسَى : فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ ، وَلَا يَصِحُّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْبَابِ كَبِيرُ شَيْءٍ ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرَ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَبِهِ يَقُولُ
أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ : لَيْسَ فِي الْعَسَلِ شَيْءٌ .
التَّاسِعَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=32285قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=11إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ أَيْ يَعْتَبِرُونَ ; وَمِنَ الْعِبْرَةِ فِي النَّحْلِ بِإِنْصَافِ النَّظَرِ وَإِلْطَافِ الْفِكْرِ فِي عَجِيبِ أَمْرِهَا . فَيَشْهَدُ الْيَقِينَ بِأَنَّ مُلْهِمَهَا الصَّنْعَةَ اللَّطِيفَةَ مَعَ الْبِنْيَةِ الضَّعِيفَةِ ، وَحِذْقَهَا بِاحْتِيَالِهَا فِي تَفَاوُتِ أَحْوَالِهَا هُوَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - ; كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=68وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ الْآيَةَ . ثُمَّ أَنَّهَا تَأْكُلُ الْحَامِضَ وَالْمُرَّ وَالْحُلْوَ وَالْمَالِحَ وَالْحَشَائِشَ الضَّارَّةَ ، فَيَجْعَلُهُ اللَّهُ - تَعَالَى - عَسَلًا حُلْوًا وَشِفَاءً ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى قُدْرَتِهِ .