قوله تعالى : ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون  متاع قليل ولهم عذاب أليم  
  [ ص: 178 ] فيه مسألتان : 
الأولى : قوله تعالى : لما تصف ما هنا مصدرية ، أي لوصف . وقيل : اللام لام سبب وأجل ، أي لا تقول لأجل وصفكم الكذب بنزع الخافض ، أي لما تصف ألسنتكم من الكذب . وقرئ الكذب بضم الكاف والذال والباء ، نعتا للألسنة . وقد تقدم وقرأ الحسن  هنا خاصة الكذب بفتح الكاف وخفض الذال والباء ، نعتا " لما " ; التقدير : ولا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذب . وقيل على البدل من ما ; أي ولا تقولوا للكذب الذي تصفه ألسنتكم هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب . الآية خطاب للكفار الذين حرموا البحائر والسوائب وأحلوا ما في بطون الأنعام وإن كان ميتة . 
هذا حلال إشارة إلى ميتة بطون الأنعام ، وكل ما أحلوه . 
وهذا حرام إشارة إلى البحائر والسوائب وكل ما حرموه . 
إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون  متاع قليل  أي ما هم فيه من نعيم الدنيا يزول عن قريب . وقال الزجاج :  أي متاعهم متاع قليل . وقيل : لهم متاع قليل ثم يردون إلى عذاب أليم . 
الثانية : أسند  الدارمي أبو محمد  في مسنده أخبرنا هارون  عن حفص  عن الأعمش  قال : ما سمعت إبراهيم  قط يقول حلال ولا حرام ، ولكن كان يقول : كانوا يكرهون وكانوا يستحبون   . وقال ابن وهب  قال مالك    : لم يكن من فتيا الناس أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام ، ولكن يقولوا إياكم كذا وكذا ، ولم أكن لأصنع هذا . ومعنى هذا : أن التحليل والتحريم إنما هو لله - عز وجل - ، وليس لأحد أن يقول أو يصرح بهذا في عين من الأعيان ، إلا أن يكون البارئ - تعالى - يخبر بذلك عنه . وما يؤدي إليه الاجتهاد في أنه حرام يقول : إني أكره كذا . وكذلك كان مالك  يفعل اقتداء بمن تقدم من أهل الفتوى . فإن قيل : فقد قال فيمن قال لزوجته أنت علي حرام  إنها حرام ويكون ثلاثا . فالجواب أن  مالكا  لما سمع علي بن أبي طالب  يقول إنها حرام اقتدى به . وقد يقوى الدليل على التحريم عند المجتهد فلا بأس عند ذلك أن يقول ذلك ، كما يقول إن الربا حرام في غير الأعيان الستة ، وكثيرا ما يطلق مالك    - رحمه الله - ; فذلك حرام لا يصلح في الأموال الربوية وفيما خالف المصالح وخرج عن طريق المقاصد لقوة الأدلة في ذلك . 
				
						
						
