قوله تعالى : أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا    [ ص: 320 ] مذهب  سيبويه  أن " أم " إذا جاءت دون أن يتقدمها ألف استفهام أنها بمعنى بل وألف الاستفهام ، وهي المنقطعة . وقيل : " أم " عطف على معنى الاستفهام في لعلك ، أو بمعنى ألف الاستفهام على الإنكار . قال الطبري    : وهو تقرير للنبي - صلى الله عليه وسلم - على حسابه أن أصحاب الكهف كانوا عجبا ، بمعنى إنكار ذلك عليه ; أي لا يعظم ذلك بحسب ما عظمه عليك السائلون من الكفرة ، فإن سائر آيات الله أعظم من قصتهم وأشيع ; هذا قول ابن عباس  ومجاهد  وقتادة   وابن إسحاق    . والخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ; وذلك أن المشركين سألوه عن فتية فقدوا ، وعن  ذي القرنين  وعن الروح ، وأبطأ الوحي على ما تقدم . فلما نزل قال الله - تعالى - لنبيه - عليه السلام - : أحسبت يا محمد  أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ; أي ليسوا بعجب من آياتنا ، بل في آياتنا ما هو أعجب من خبرهم . الكلبي :  خلق السماوات والأرض أعجب من خبرهم . الضحاك    : ما أطلعتك عليه من الغيب أعجب . الجنيد    : شأنك في الإسراء أعجب .  الماوردي    : معنى الكلام النفي ; أي ما حسبت لولا إخبارنا . أبو سهل    : استفهام تقرير ; أي أحسبت ذلك فإنهم عجب . والكهف : النقب المتسع في الجبل ; وما لم يتسع فهو غار . وحكى النقاش  عن أنس بن مالك  أنه قال : الكهف الجبل ; وهذا غير شهير في اللغة . 
واختلف الناس في الرقيم    ; فقال ابن عباس    : كل شيء في القرآن أعلمه إلا أربعة : غسلين وحنان والأواه والرقيم   . وسئل مرة عن الرقيم فقال : زعم كعب  أنها قرية خرجوا منها . وقال مجاهد    : الرقيم واد . وقال  السدي    : الرقيم الصخرة التي كانت على الكهف . وقال ابن زيد    : الرقيم كتاب غم الله علينا أمره ، ولم يشرح لنا قصته . وقالت فرقة : الرقيم كتاب في لوح من نحاس . وقال ابن عباس    : في لوح من رصاص كتب فيه القوم الكفار الذي فر الفتية منهم قصتهم وجعلوها تاريخا لهم ، ذكروا وقت فقدهم ، وكم كانوا ، وبين من كانوا . وكذا قال الفراء  ، قال : الرقيم لوح من رصاص كتب فيه أسماؤهم وأنسابهم ودينهم وممن هربوا . قال ابن عطية    : ويظهر من هذه الروايات أنهم كانوا قوما مؤرخين للحوادث ، وذلك من نبل المملكة ، وهو أمر مفيد . وهذه الأقوال مأخوذة من الرقم ; ومنه كتاب مرقوم . ومنه الأرقم لتخطيطه . ومنه رقمة الوادي ; أي مكان جري الماء وانعطافه . وما روي عن ابن عباس  ليس بمتناقض ; لأن القول الأول إنما سمعه من كعب    . والقول الثاني يجوز أن يكون عرف الرقيم بعده . وروى عنه سعيد بن جبير  قال : ذكر ابن عباس  أصحاب الكهف فقال : إن الفتية فقدوا فطلبهم أهلوهم فلم يجدوهم فرفع ذلك إلى الملك فقال : ليكونن لهم نبأ ، وأحضر لوحا من رصاص فكتب فيه أسماءهم وجعله في خزانته ; فذلك اللوح هو الرقيم . وقيل : إن مؤمنين كانا في بيت الملك   [ ص: 321 ] فكتبا شأن الفتية وأسماءهم وأنسابهم في لوح من رصاص ثم جعلاه في تابوت من نحاس وجعلاه في البنيان ; فالله أعلم . وعن ابن عباس  أيضا : الرقيم كتاب مرقوم كان عندهم فيه الشرع الذي تمسكوا به من دين عيسى    - عليه السلام - . وقال النقاش  عن قتادة    : الرقيم دراهمهم . وقال أنس بن مالك   والشعبي    : الرقيم كلبهم . وقال عكرمة    : الرقيم الدواة . وقيل : الرقيم اللوح من الذهب تحت الجدار الذي أقامه الخضر . وقيل : الرقيم أصحاب الغار الذي انطبق عليهم ; فذكر كل واحد منهم أصلح عمله . 
قلت : وفي هذا خبر معروف أخرجه الصحيحان ، وإليه نحا  البخاري    . وقال قوم : أخبر الله عن أصحاب الكهف ، ولم يخبر عن أصحاب الرقيم بشيء . وقال الضحاك    : الرقيم بلدة بالروم  فيها غار فيه أحد وعشرون نفسا كأنهم نيام على هيئة أصحاب الكهف ، فعلى هذا هم فتية آخرون جرى لهم ما جرى لأصحاب الكهف . والله أعلم . وقيل : الرقيم واد دون فلسطين  فيه الكهف ; مأخوذ من رقمة الوادي وهي موضع الماء ; يقال : عليك بالرقمة ودع الضفة ; ذكره الغزنوي  ، . قال ابن عطية    : وبالشام  على ما سمعت به من ناس كثير كهف فيه موتى ، يزعم مجاوروه أنهم أصحاب الكهف وعليهم مسجد وبناء يسمى الرقيم ومعهم كلب رمة . وبالأندلس  في جهة غرناطة  بقرب قرية تسمى لوشة كهف فيه موتى ومعهم كلب رمة ، وأكثرهم قد تجرد لحمه وبعضهم متماسك ، وقد مضت القرون السالفة ولم نجد من علم شأنهم أثارة . ويزعم ناس أنهم أصحاب الكهف ، دخلت إليهم ورأيتهم سنة أربع وخمسمائة وهم بهذه الحالة ، وعليهم مسجد ، وقريب منهم بناء رومي يسمى الرقيم ، كأنه قصر مخلق قد بقي بعض جدرانه ، وهو في فلاة من الأرض خربة ، وبأعلى غرناطة  مما يلي القبلة آثار مدينة قديمة رومية يقال لها مدينة دقيوس  ، وجدنا في آثارها غرائب من قبور ونحوها . 
قلت : ما ذكر من رؤيته لهم بالأندلس  فإنما هم غيرهم ، لأن الله - تعالى - يقول في حق أصحاب الكهف : لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا    . وقال ابن عباس  لمعاوية  لما أراد رؤيتهم : قد منع الله من هو خير منك عن ذلك   ; وسيأتي في آخر القصة . وقال مجاهد  في قوله كانوا من آياتنا عجبا  قال : هم عجب . كذا روى  ابن جريج  عنه ; يذهب إلى أنه بإنكار على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكون عنده أنهم عجب . وروى ابن نجيح  عنه قال : يقول ليس بأعجب آياتنا . 
				
						
						
