قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا nindex.php?page=treesubj&link=28989قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم البعث : التحريك عن سكون . والمعنى : كما ضربنا على آذانهم وزدناهم هدى وقلبناهم بعثناهم أيضا ; أي أيقظناهم من نومهم على ما كانوا عليهم من هيئتهم في ثيابهم وأحوالهم . قال الشاعر :
وفتيان صدق قد بعثت بسحرة فقاموا جميعا بين عاث ونشوان
أي أيقظت واللام في قوله ليتساءلوا لام الصيرورة وهي لام العاقبة ; كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=8ليكون لهم عدوا وحزنا فبعثهم لم يكن لأجل تساؤلهم .
[ ص: 336 ] قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم وذلك أنهم دخلوه غدوة وبعثهم الله في آخر النهار ; فقال رئيسهم
يمليخا أو
مكسلمينا : الله أعلم بالمدة .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فيه سبع مسائل :
الأولى : قال
ابن عباس : كانت ورقهم كأخفاف الربع ; ذكره
النحاس . وقرأ
ابن كثير ونافع وابن عامر nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وحفص عن
عاصم بورقكم بكسر الراء . وقرأ
أبو عمرو وحمزة وأبو بكر عن
عاصم " بورقكم " بسكون الراء ، حذفوا الكسرة لثقلها ، وهما لغتان . وقرأ
الزجاج " بورقكم " بكسر الواو وسكون الراء . ويروى أنهم انتبهوا جياعا ، وأن المبعوث هو
يمليخا ، كان أصغرهم ; فيما ذكر
الغزنوي . والمدينة :
أفسوس ويقال هي
طرسوس ، وكان اسمها في الجاهلية
أفسوس ; فلما جاء الإسلام سموها
طرسوس . وقال
ابن عباس : كان معهم دراهم عليها صورة الملك الذي كان في زمانهم .
الثانية : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19فلينظر أيها أزكى طعاما قال
ابن عباس : أحل ذبيحة ; لأن أهل بلدهم كانوا يذبحون على اسم الصنم ، وكان فيهم قوم يخفون إيمانهم .
ابن عباس : كان عامتهم مجوسا . وقيل
nindex.php?page=treesubj&link=28989أزكى طعاما أي أكثر بركة . قيل : إنهم أمروه أن يشتري ما يظن أنه طعام اثنين أو ثلاثة لئلا يطلع عليهم ، ثم إذا طبخ كفى جماعة ; ولهذا قيل ذلك الطعام الأرز . وقيل : كان زبيبا . وقيل تمرا ; فالله أعلم . وقيل : " أزكى " أطيب . وقيل أرخص .
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19فليأتكم برزق منه أي بقوت .
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19وليتلطف أي في دخول المدينة وشراء الطعام .
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19ولا يشعرن بكم أحدا أي لا يخبرن . وقيل : إن ظهر عليه فلا يوقعن إخوانه فيما وقع فيه .
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=20إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا قال
الزجاج : معناه بالحجارة ، وهو أخبث القتل . وقيل : يرموكم بالسب والشتم ; والأول أصح ، لأنه كان عازما على قتلهم كما تقدم في قصصهم . والرجم فيما سلف هي كانت على ما ذكر قبله [ عقوبة ] مخالفة دين الناس إذ هي أشفى لجملة أهل ذلك الدين من حيث إنهم يشتركون فيها .
الثالثة : في هذه البعثة بالورق دليل على
nindex.php?page=treesubj&link=14697الوكالة وصحتها . وقد وكل
علي بن أبي طالب أخاه
عقيلا عند
عثمان - رضي الله عنه - ; ولا خلاف فيها في الجملة .
nindex.php?page=treesubj&link=14697والوكالة معروفة في الجاهلية والإسلام ; ألا ترى إلى
عبد الرحمن بن عوف كيف وكل
أمية بن خلف بأهله وحاشيته
بمكة ; أي يحفظهم ،
وأمية مشرك ، والتزم
عبد الرحمن لأمية من حفظ حاشيته
بالمدينة مثل
[ ص: 337 ] ذلك مجازاة لصنعه . روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
عبد الرحمن بن عوف قال : كاتبت
أمية بن خلف كتابا بأن يحفظني في صاغيتي
بمكة وأحفظه في صاغيته
بالمدينة ; فلما ذكرت الرحمن ; قال : لا أعرف الرحمن كاتبني باسمك الذي كان في الجاهلية ، فكاتبته
عبد عمرو . . . وذكر الحديث . قال
الأصمعي : صاغية الرجل الذين يميلون إليه ويأتونه ; وهو مأخوذ من صغا يصغو ويصغى إذا مال ، وكل مائل إلى الشيء أو معه فقد صغا إليه وأصغى ; من كتاب الأفعال .
الرابعة :
nindex.php?page=treesubj&link=14697الوكالة عقد نيابة ، أذن الله سبحانه فيه للحاجة إليه وقيام المصلحة في ذلك ، إذ ليس كل أحد يقدر على تناول أموره إلا بمعونة من غيره أو بترفه فيستنيب من يريحه . وقد استدل علماؤنا على صحتها بآيات من الكتاب ، منها هذه الآية ، وقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=60والعاملين عليها وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=93اذهبوا بقميصي هذا . وأما من السنة فأحاديث كثيرة ; منها حديث
عروة البارقي ، وقد تقدم في آخر الأنعام .
nindex.php?page=hadith&LINKID=835588روى nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قال أردت الخروج إلى خيبر فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت له : إني أردت الخروج إلى خيبر ; فقال : إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته خرجه
أبو داود . والأحاديث كثيرة في هذا المعنى ، وفي إجماع الأمة على جوازها كفاية .
الخامسة :
nindex.php?page=treesubj&link=14697الوكالة جائزة في كل حق تجوز النيابة فيه ، فلو وكل الغاصب لم يجز ، وكان هو الوكيل ; لأن كل محرم فعله لا تجوز النيابة فيه .
السادسة : في هذه الآية نكتة بديعة ، وهي أن الوكالة إنما كانت مع التقية خوف أن يشعر بهم أحد لما كانوا عليه من الخوف على أنفسهم . وجواز
nindex.php?page=treesubj&link=14697_14718توكيل ذوي العذر متفق عليه ; فأما من لا عذر له فالجمهور على جوازها . وقال
أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=15968وسحنون : لا تجوز . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : وكأن
سحنون تلقفه من
أسد بن الفرات فحكم به أيام قضائه ، ولعله كان يفعل ذلك بأهل الظلم والجبروت ; إنصافا منهم وإذلالا لهم ، وهو الحق ; فإن
nindex.php?page=treesubj&link=26630_14719الوكالة معونة ولا تكون لأهل الباطل .
قلت : هذا حسن ; فأما أهل الدين والفضل فلهم أن يوكلوا وإن كانوا حاضرين أصحاء . والدليل على صحة جواز الوكالة للشاهد الصحيح ما خرجه الصحيحان وغيرهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835589كان لرجل على النبي - صلى الله عليه وسلم - سن من الإبل فجاء يتقاضاه فقال : أعطوه فطلبوا له سنه فلم يجدوا إلا سنا فوقها ; فقال : أعطوه فقال : أوفيتني أوفى الله لك . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن خيركم [ ص: 338 ] أحسنكم قضاء . لفظ
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري . فدل هذا الحديث مع صحته على جواز
nindex.php?page=treesubj&link=14718توكيل الحاضر الصحيح البدن ; فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه أن يعطوا عنه السن التي كانت عليه ; وذلك توكيد منه لهم على ذلك ، ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - مريضا ولا مسافرا . وهذا يرد قول
أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=15968وسحنون في قولهما : إنه لا يجوز توكيل الحاضر الصحيح البدن إلا برضا خصمه ; وهذا الحديث خلاف قولهما .
السابعة : قال
ابن خويز منداد : تضمنت هذه الآية
nindex.php?page=treesubj&link=5837جواز الشركة لأن الورق كان لجميعهم وتضمنت جواز الوكالة لأنهم بعثوا من وكلوه بالشراء . وتضمنت جواز
nindex.php?page=treesubj&link=33651_27940أكل الرفقاء وخلطهم طعامهم معا ، وإن كان بعضهم أكثر أكلا من الآخر ; ومثله قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=220وإن تخالطوهم فإخوانكم حسبما تقدم بيانه في " البقرة " . ولهذا قال أصحابنا في
nindex.php?page=treesubj&link=33651المسكين يتصدق عليه فيخلطه بطعام لغني ثم يأكل معه : إن ذلك جائز . وقد قالوا في
nindex.php?page=treesubj&link=33651المضارب يخلط طعامه بطعام غيره ثم يأكل معه : إن ذلك جائز . وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=835590وكل من اشترى له أضحية . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : ليس في الآية دليل على ذلك ; لأنه يحتمل أن يكون كل واحد منهم قد أعطاه منفردا فلا يكون فيه اشتراك . ولا معول في هذه المسألة إلا على حديثين : أحدهما :
nindex.php?page=hadith&LINKID=839817أن ابن عمر مر بقوم يأكلون تمرا فقال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الاقتران إلا أن يستأذن الرجل أخاه . الثاني : حديث
أبي عبيدة في جيش الخبط . وهذا دون الأول في الظهور ; لأنه يحتمل أن يكون
أبو عبيدة يعطيهم كفافا من ذلك القوت ولا يجمعهم عليه .
قلت : ومما يدل على خلاف هذا من الكتاب قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=220وإن تخالطوهم فإخوانكم وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=61ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا على ما يأتي إن شاء الله - تعالى - .
قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا nindex.php?page=treesubj&link=28989قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمُ الْبَعْثُ : التَّحْرِيكُ عَنْ سُكُونٍ . وَالْمَعْنَى : كَمَا ضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى وَقَلَّبْنَاهُمْ بَعَثْنَاهُمْ أَيْضًا ; أَيْ أَيْقَظْنَاهُمْ مِنْ نَوْمِهِمْ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِمْ مِنْ هَيْئَتِهِمْ فِي ثِيَابِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ . قَالَ الشَّاعِرُ :
وَفِتْيَانُ صِدْقٍ قَدْ بَعَثْتُ بِسُحْرَةٍ فَقَامُوا جَمِيعًا بَيْنَ عَاثٍ وَنَشْوَانِ
أَيْ أَيْقَظْتُ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ لِيَتَسَاءَلُوا لَامُ الصَّيْرُورَةِ وَهِيَ لَامُ الْعَاقِبَةِ ; كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=8لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا فَبَعْثُهُمْ لَمْ يَكُنْ لِأَجْلِ تَسَاؤُلِهِمْ .
[ ص: 336 ] قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ دَخَلُوهُ غَدْوَةً وَبَعَثَهُمُ اللَّهُ فِي آخِرِ النَّهَارِ ; فَقَالَ رَئِيسُهُمْ
يمليخا أَوْ
مكسلمينا : اللَّهُ أَعْلَمُ بِالْمُدَّةِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فِيهِ سَبْعُ مَسَائِلَ :
الْأُولَى : قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : كَانَتْ وَرِقُهُمْ كَأَخْفَافِ الرُّبَعِ ; ذَكَرَهُ
النَّحَّاسُ . وَقَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ
عَاصِمٍ بِوَرِقِكُمْ بِكَسْرِ الرَّاءِ . وَقَرَأَ
أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ
عَاصِمٍ " بِوَرْقِكُمْ " بِسُكُونِ الرَّاءِ ، حَذَفُوا الْكَسْرَةَ لِثِقَلِهَا ، وَهُمَا لُغَتَانِ . وَقَرَأَ
الزَّجَّاجُ " بِوِرْقِكُمْ " بِكَسْرِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الرَّاءِ . وَيُرْوَى أَنَّهُمُ انْتَبَهُوا جِيَاعًا ، وَأَنَّ الْمَبْعُوثَ هُوَ
يمليخا ، كَانَ أَصْغَرَهُمْ ; فِيمَا ذَكَرَ
الْغَزْنَوِيُّ . وَالْمَدِينَةُ :
أَفْسُوسُ وَيُقَالُ هِيَ
طَرَسُوسُ ، وَكَانَ اسْمُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ
أَفْسُوسُ ; فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ سَمَّوْهَا
طَرَسُوسَ . وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : كَانَ مَعَهُمْ دَرَاهِمُ عَلَيْهَا صُورَةُ الْمَلِكِ الَّذِي كَانَ فِي زَمَانِهِمْ .
الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : أَحَلَّ ذَبِيحَةً ; لِأَنَّ أَهْلَ بَلَدِهِمْ كَانُوا يَذْبَحُونَ عَلَى اسْمِ الصَّنَمِ ، وَكَانَ فِيهِمْ قَوْمٌ يُخْفُونَ إِيمَانَهُمْ .
ابْنُ عَبَّاسٍ : كَانَ عَامَّتُهُمْ مَجُوسًا . وَقِيلَ
nindex.php?page=treesubj&link=28989أَزْكَى طَعَامًا أَيْ أَكْثَرَ بَرَكَةً . قِيلَ : إِنَّهُمْ أَمَرُوهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا يَظُنُّ أَنَّهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ لِئَلَّا يُطَّلَعَ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ إِذَا طُبِخَ كَفَى جَمَاعَةً ; وَلِهَذَا قِيلَ ذَلِكَ الطَّعَامُ الْأَرُزُّ . وَقِيلَ : كَانَ زَبِيبًا . وَقِيلَ تَمْرًا ; فَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَقِيلَ : " أَزْكَى " أَطْيَبُ . وَقِيلَ أَرْخَصُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ أَيْ بِقُوتٍ .
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19وَلْيَتَلَطَّفْ أَيْ فِي دُخُولِ الْمَدِينَةِ وَشِرَاءِ الطَّعَامِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا أَيْ لَا يُخْبِرَنَّ . وَقِيلَ : إِنْ ظُهِرَ عَلَيْهِ فَلَا يُوقِعَنَّ إِخْوَانَهُ فِيمَا وَقَعَ فِيهِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=20إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا قَالَ
الزَّجَّاجُ : مَعْنَاهُ بِالْحِجَارَةِ ، وَهُوَ أَخْبَثُ الْقَتْلِ . وَقِيلَ : يَرْمُوكُمْ بِالسَّبِّ وَالشَّتْمِ ; وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ، لِأَنَّهُ كَانَ عَازِمًا عَلَى قَتْلِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَصَصِهِمْ . وَالرَّجْمُ فِيمَا سَلَفَ هِيَ كَانَتْ عَلَى مَا ذُكِرَ قَبْلَهُ [ عُقُوبَةُ ] مُخَالَفَةِ دِينِ النَّاسِ إِذْ هِيَ أَشْفَى لِجُمْلَةِ أَهْلِ ذَلِكَ الدِّينِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمْ يَشْتَرِكُونَ فِيهَا .
الثَّالِثَةُ : فِي هَذِهِ الْبَعْثَةِ بِالْوَرِقِ دَلِيلٌ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=14697الْوِكَالَةِ وَصِحَّتِهَا . وَقَدْ وَكَّلَ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَخَاهُ
عَقِيلًا عِنْدَ
عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ; وَلَا خِلَافَ فِيهَا فِي الْجُمْلَةِ .
nindex.php?page=treesubj&link=14697وَالْوَكَالَةُ مَعْرُوفَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ ; أَلَا تَرَى إِلَى
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ كَيْفَ وَكَّلَ
أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ بِأَهْلِهِ وَحَاشِيَتِهِ
بِمَكَّةَ ; أَيْ يَحْفَظُهُمْ ،
وَأُمَيَّةُ مُشْرِكٌ ، وَالْتَزَمَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِأُمَيَّةَ مِنْ حِفْظِ حَاشِيَتِهِ
بِالْمَدِينَةِ مِثْلَ
[ ص: 337 ] ذَلِكَ مُجَازَاةً لِصُنْعِهِ . رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ : كَاتَبْتُ
أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كِتَابًا بِأَنْ يَحْفَظَنِي فِي صَاغِيَتِي
بِمَكَّةَ وَأَحْفَظُهُ فِي صَاغِيَتِهِ
بِالْمَدِينَةِ ; فَلَمَّا ذَكَرْتُ الرَّحْمَنَ ; قَالَ : لَا أَعْرِفُ الرَّحْمَنَ كَاتِبْنِي بِاسْمِكَ الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَكَاتَبْتُهُ
عَبْدَ عَمْرٍو . . . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ . قَالَ
الْأَصْمَعِيُّ : صَاغِيَةُ الرَّجُلِ الَّذِينَ يَمِيلُونَ إِلَيْهِ وَيَأْتُونَهُ ; وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ صَغَا يَصْغُو وَيَصْغَى إِذَا مَالَ ، وَكُلُّ مَائِلٍ إِلَى الشَّيْءِ أَوْ مَعَهُ فَقَدْ صَغَا إِلَيْهِ وَأَصْغَى ; مِنْ كِتَابِ الْأَفْعَالِ .
الرَّابِعَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=14697الْوَكَالَةُ عَقْدُ نِيَابَةٍ ، أَذِنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِيهِ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ وَقِيَامِ الْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ ، إِذْ لَيْسَ كُلَّ أَحَدٍ يَقْدِرُ عَلَى تَنَاوُلِ أُمُورِهِ إِلَّا بِمَعُونَةٍ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ بِتَرَفُّهٍ فَيَسْتَنِيبُ مَنْ يُرِيحُهُ . وَقَدِ اسْتَدَلَّ عُلَمَاؤُنَا عَلَى صِحَّتِهَا بِآيَاتٍ مِنَ الْكِتَابِ ، مِنْهَا هَذِهِ الْآيَةُ ، وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=60وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=93اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا . وَأَمَّا مِنَ السُّنَّةِ فَأَحَادِيثٌ كَثِيرَةٌ ; مِنْهَا حَدِيثُ
عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْأَنْعَامِ .
nindex.php?page=hadith&LINKID=835588رَوَى nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى خَيْبَرَ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ لَهُ : إِنِّي أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى خَيْبَرَ ; فَقَالَ : إِذَا أَتَيْتُ وَكِيلِي فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا فَإِنِ ابْتَغَى مِنْكَ آيَةً فَضَعْ يَدَكَ عَلَى تَرْقُوَتِهِ خَرَّجَهُ
أَبُو دَاوُدَ . وَالْأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى ، وَفِي إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى جَوَازِهَا كِفَايَةٌ .
الْخَامِسَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=14697الْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ حَقٍّ تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهِ ، فَلَوْ وَكَّلَ الْغَاصِبَ لَمْ يَجُزْ ، وَكَانَ هُوَ الْوَكِيلُ ; لِأَنَّ كُلَّ مُحَرَّمٍ فِعْلُهُ لَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهِ .
السَّادِسَةُ : فِي هَذِهِ الْآيَةِ نُكْتَةٌ بَدِيعَةٌ ، وَهِيَ أَنَّ الْوَكَالَةَ إِنَّمَا كَانَتْ مَعَ التَّقِيَّةِ خَوْفَ أَنْ يَشْعُرَ بِهِمْ أَحَدٌ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْخَوْفِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ . وَجَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=14697_14718تَوْكِيلِ ذَوِي الْعُذْرِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ; فَأَمَّا مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ فَالْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِهَا . وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ nindex.php?page=showalam&ids=15968وَسَحْنُونُ : لَا تَجُوزُ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ : وَكَأَنَّ
سَحْنُونَ تَلَقَّفَهُ مِنْ
أَسَدِ بْنِ الْفُرَاتِ فَحَكَمَ بِهِ أَيَّامَ قَضَائِهِ ، وَلَعَلَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِأَهْلِ الظُّلْمِ وَالْجَبَرُوتِ ; إِنْصَافًا مِنْهُمْ وَإِذْلَالًا لَهُمْ ، وَهُوَ الْحَقُّ ; فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=26630_14719الْوَكَالَةَ مَعُونَةٌ وَلَا تَكُونُ لِأَهْلِ الْبَاطِلِ .
قُلْتُ : هَذَا حَسَنٌ ; فَأَمَّا أَهْلُ الدِّينِ وَالْفَضْلِ فَلَهُمْ أَنْ يُوَكِّلُوا وَإِنْ كَانُوا حَاضِرِينَ أَصِحَّاءَ . وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ جَوَازِ الْوَكَالَةِ لِلشَّاهِدِ الصَّحِيحِ مَا خَرَّجَهُ الصَّحِيحَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835589كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِنٌّ مِنَ الْإِبِلِ فَجَاءَ يَتَقَاضَاهُ فَقَالَ : أَعْطُوهُ فَطَلَبُوا لَهُ سِنَّهُ فَلَمْ يَجِدُوا إِلَّا سِنًّا فَوْقَهَا ; فَقَالَ : أَعْطُوهُ فَقَالَ : أَوْفَيْتَنِي أَوْفَى اللَّهُ لَكَ . قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : إِنَّ خَيْرَكُمْ [ ص: 338 ] أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً . لَفْظُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ . فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ صِحَّتِهِ عَلَى جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=14718تَوْكِيلِ الْحَاضِرِ الصَّحِيحِ الْبَدَنِ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُعْطُوا عَنْهُ السِّنَّ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ ; وَذَلِكَ تَوْكِيدٌ مِنْهُ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرِيضًا وَلَا مُسَافِرًا . وَهَذَا يَرُدُّ قَوْلَ
أَبِي حَنِيفَةَ nindex.php?page=showalam&ids=15968وَسَحْنُونٍ فِي قَوْلِهِمَا : إِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَوْكِيلُ الْحَاضِرِ الصَّحِيحِ الْبَدَنِ إِلَّا بِرِضَا خَصْمِهِ ; وَهَذَا الْحَدِيثُ خِلَافُ قَوْلِهِمَا .
السَّابِعَةُ : قَالَ
ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادَ : تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
nindex.php?page=treesubj&link=5837جَوَازَ الشَّرِكَةِ لِأَنَّ الْوَرِقَ كَانَ لِجَمِيعِهِمْ وَتَضَمَّنَتْ جَوَازَ الْوَكَالَةِ لِأَنَّهُمْ بَعَثُوا مَنْ وَكَّلُوهُ بِالشِّرَاءِ . وَتَضَمَّنَتْ جَوَازَ
nindex.php?page=treesubj&link=33651_27940أَكْلِ الرُّفَقَاءِ وَخَلْطِهِمْ طَعَامَهُمْ مَعًا ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَكْثَرُ أَكْلًا مِنَ الْآخَرِ ; وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=220وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي " الْبَقَرَةِ " . وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=33651الْمِسْكِينِ يُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ فَيَخْلِطُهُ بِطَعَامٍ لِغَنِيٍّ ثُمَّ يَأْكُلُ مَعَهُ : إِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ . وَقَدْ قَالُوا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=33651الْمُضَارِبِ يَخْلِطُ طَعَامَهُ بِطَعَامِ غَيْرِهِ ثُمَّ يَأْكُلُ مَعَهُ : إِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ . وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=835590وَكَّلَ مَنِ اشْتَرَى لَهُ أُضْحِيَّةً . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ : لَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدْ أَعْطَاهُ مُنْفَرِدًا فَلَا يَكُونُ فِيهِ اشْتَرَاكٌ . وَلَا مُعَوَّلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِلَّا عَلَى حَدِيثَيْنِ : أَحَدُهُمَا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=839817أَنَّ ابْنَ عُمَرَ مَرَ بِقَوْمٍ يَأْكُلُونَ تَمْرًا فَقَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الِاقْتِرَانِ إِلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ أَخَاهُ . الثَّانِي : حَدِيثُ
أَبِي عُبَيْدَةَ فِي جَيْشِ الْخَبَطِ . وَهَذَا دُونَ الْأَوَّلِ فِي الظُّهُورِ ; لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ
أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِيهِمْ كَفَافًا مِنْ ذَلِكَ الْقُوتِ وَلَا يَجْمَعُهُمْ عَلَيْهِ .
قُلْتُ : وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ هَذَا مِنَ الْكِتَابِ قَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=220وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=61لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا عَلَى مَا يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - .