[ ص: 85 ] بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة طه عليه السلام
سورة طه - عليه السلام - مكية في قول الجميع ، نزلت قبل - روى إسلام عمر - رضي الله عنه في سننه عن الدارقطني أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال خرج عمر متقلدا بسيف فقيل له إن ختنك قد صبوا فأتاهما عمر ، وعندهما رجل من المهاجرين يقال له خباب وكانوا يقرءون ( طه ) فقال : أعطوني الكتاب الذي عندكم فأقرأه ، وكان عمر - رضي الله عنه - يقرأ الكتب فقالت له أخته : إنك رجس لا يمسه إلا المطهرون ، فقم فاغتسل أو توضأ فقام عمر - رضي الله عنه - وتوضأ وأخذ الكتاب فقرأ ( طه ) .
وذكره ابن إسحاق مطولا فإن عمر خرج متوشحا سيفه يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقتله فلقيه فقال : أين تريد يا نعيم بن عبد الله ، عمر ؟ فقال : أريد محمدا هذا الصابئ الذي فرق أمر قريش ، وسفه أحلامها وعاب دينها ، وسب آلهتها فأقتله ، فقال له نعيم : والله لقد غرتك نفسك من نفسك يا عمر ، أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا ؟ ! أفلا ترجع إلى أهلك فتقيم أمرهم ؟ فقال : وأي أهل بيتي ؟ قال : ختنك وابن عمك سعيد بن زيد ، وأختك فاطمة بنت الخطاب ، فقد والله أسلما وتابعا محمدا على دينه ، فعليك بهما ، قال : فرجع عمر عامدا إلى أخته وختنه وعندهما معه صحيفة فيها ( طه ) يقرئهما إياها ، فلما سمعوا حس خباب بن الأرت عمر تغيب خباب في مخدع لهم أو في بعض البيت ، وأخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة فجعلتها تحت فخذها وقد سمع عمر حين دنا إلى البيت قراءة خباب عليهما ، فلما دخل قال : ما هذه الهينمة التي سمعت ؟ قالا له : ما سمعت شيئا ، قال : بلى والله لقد أخبرت أنكما تابعتما محمدا على دينه . [ ص: 86 ] وبطش بختنه سعيد بن زيد ، فقامت إليه أخته فاطمة بنت الخطاب لتكفه عن زوجها ، فضربها فشجها فلما فعل ذلك قالت له أخته وختنه : نعم قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله ، فاصنع ما بدا لك ولما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع فارعوى ، وقال لأخته : أعطني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرءونها آنفا أنظر ما هذا الذي جاء به محمد ، وكان كاتبا فلما قال ذلك ، قالت له أخته : إنا نخشاك عليها ، قال لها : لا تخافي وحلف لها بآلهته ليردنها إذا قرأها ، فلما قال ذلك : طمعت في إسلامه ، فقالت له : يا أخي إنك نجس على شركك وإنه لا يمسها إلا الطاهر ، فقام عمر واغتسل فأعطته الصحيفة وفيها ( طه ) فلما قرأ منها صدرا قال : ما أحسن هذا الكلام وأكرمه ! فلما سمع ذلك خباب خرج إليه فقال له : يا عمر والله إني لأرجو أن يكون الله خصك بدعوة نبيه ، فإني سمعته أمس وهو يقول بأبي الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب فالله الله يا اللهم أيد الإسلام عمر فقال له عند ذلك فدلني يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم ، وذكر الحديث .
مسألة : أسند في مسنده عن الدارمي أبو محمد - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبي هريرة قال إن الله تبارك وتعالى قرأ ( طه ) و ( يس ) قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام ، فلما سمعت الملائكة القرآن قالت : طوبى لأمة ينزل هذا عليها ، وطوبى لأجواف تحمل هذا ، وطوبى لألسنة تتكلم بهذا قوله : ابن فورك أي أظهر وأسمع وأفهم كلامه من أراد من خلقه من الملائكة في ذلك الوقت ، والعرب تقول : قرأت الشيء إذا تتبعته ، وتقول : ما قرأت هذه الناقة في رحمها سلا قط أي ما ظهر فيها ولد فعلى هذا يكون الكلام سائغا ، وقرأته أسماعه وأفهامه بعبارات يخلقها ، وكتابة يحدثها . وهي معنى قولنا : قرأنا كلام الله ، ومعنى قوله : إن الله تبارك وتعالى قرأ ( طه ) و ( يس ) فاقرءوا ما تيسر من القرآن ، فاقرءوا ما تيسر منه ومن أصحابنا من قال معنى قوله : ( قرأ ) أي تكلم به ، وذلك مجاز كقولهم : ذقت هذا القول ذواقا بمعنى اختبرته . ومنه قوله : [ ص: 87 ] فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون أي ابتلاهم الله تعالى به ، فسمي ذلك ذوقا ، والخوف لا يذاق على الحقيقة ؛ لأن الذوق في الحقيقة بالفم دون غيره من الجوارح . قال : وما قلناه : أولا أصح في تأويل هذا الخبر ؛ لأن كلام الله تعالى أزلي قديم سابق لجملة الحوادث ، وإنما أسمع وأفهم من أراد من خلقه على ما أراد في الأوقات والأزمنة ، لا أن عين كلامه يتعلق وجوده بمدة وزمان . ابن فورك