[ ص: 217 ] مثل الجنة التي وعد المتقون لما قال - عز وجل - : قوله تعالى : إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات وصف تلك الجنات ، أي : صفة الجنة المعدة للمتقين . وقد مضى الكلام في هذا في ( الرعد ) وقرأ علي بن أبي طالب ( مثال الجنة التي وعد المتقون )
فيها أنهار من ماء غير آسن أي غير متغير الرائحة . والآسن من الماء مثل الآجن . وقد أسن الماء يأسن ويأسن أسنا وأسونا إذا تغيرت رائحته . وكذلك أجن الماء يأجن ويأجن أجنا وأجونا . ويقال بالكسر فيهما : أجن وأسن يأسن ويأجن أسنا وأجنا ، قاله اليزيدي . وأسن الرجل أيضا يأسن ( بالكسر لا غير ) إذا دخل البئر فأصابته ريح منتنة من ريح البئر أو غير ذلك فغشي عليه أو دار رأسه ، قال زهير :
قد أترك القرن مصفرا أنامله يميد في الرمح ميد المائح الأسن
ويروى ( الوسن ) وتأسن الماء تغير . أبو زيد : تأسن علي تأسنا اعتل وأبطأ . أبو عمرو : تأسن الرجل أباه أخذ أخلاقه . وقال اللحياني : إذا نزع إليه في الشبه ، وقراءة العامة آسن بالمد . وقرأ ابن كثير وحميد ( أسن ) بالقصر ، وهما لغتان ، مثل حاذر وحذر . وقال الأخفش : أسن للحال ، وآسن ( مثل فاعل ) يراد به الاستقبال .
وأنهار من لبن لم يتغير طعمه أي لم يحمض بطول المقام كما تتغير ألبان الدنيا إلى الحموضة . وأنهار من خمر لذة للشاربين أي لم تدنسها الأرجل ولم ترنقها الأيدي كخمر الدنيا ، فهي لذيذة الطعم طيبة الشرب لا يتكرهها الشاربون . يقال : شراب لذ ولذيذ بمعنى . واستلذه عده لذيذا . وأنهار من عسل مصفى العسل ما يسيل من لعاب النحل . مصفى أي : من الشمع والقذى ، خلقه الله كذلك لم يطبخ على نار ولا دنسه النحل . وفي الترمذي عن حكيم بن معاوية عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : . قال : حديث حسن صحيح . وفي صحيح مسلم عن إن في الجنة بحر الماء وبحر العسل وبحر اللبن وبحر الخمر ثم تشقق الأنهار بعد - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أبي هريرة . وقال سيحان وجيحان والنيل والفرات كل من أنهار الجنة كعب : نهر دجلة نهر ماء أهل الجنة ، ونهر الفرات نهر لبنهم ، ونهر مصر نهر خمرهم ، ونهر سيحان نهر عسلهم . وهذه الأنهار الأربعة تخرج من نهر الكوثر . والعسل : يذكر ويؤنث . وقال ابن عباس : من عسل مصفى أي : لم يخرج من بطون النحل .
ولهم فيها من كل الثمرات من زائدة للتأكيد . ومغفرة من ربهم أي لذنوبهم . كمن هو خالد في النار قال الفراء : [ ص: 218 ] المعنى أفمن يخلد في هذا النعيم كمن يخلد في النار . وقال الزجاج : أي : أفمن كان على بينة من ربه وأعطي هذه الأشياء كمن زين له سوء عمله وهو خالد في النار . فقوله : كمن بدل من قوله : أفمن زين له سوء عمله . وقال ابن كيسان : مثل هذه الجنة التي فيها الثمار والأنهار كمثل النار التي فيها الحميم والزقوم . ومثل أهل الجنة في النعيم المقيم كمثل أهل النار في العذاب المقيم .
وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم أي حارا شديد الغليان ، إذا أدني منهم شوى وجوههم ، ووقعت فروة رءوسهم ، فإذا شربوه قطع أمعاءهم وأخرجها من دبورهم . والأمعاء : جمع معى ، والتثنية معيان ، وهو جميع ما في البطن من الحوايا .