قوله تعالى : إنا مرسلو الناقة أي مخرجوها من الهضبة التي سألوها ، فروي أن صالحا صلى ركعتين ودعا فانصدعت الصخرة التي عينوها عن سنامها ، فخرجت ناقة عشراء وبراء .
فتنة لهم أي : اختبارا وهو مفعول له .
فارتقبهم أي : انتظر ما يصنعون .
واصطبر أي : اصبر على أذاهم ، وأصل الطاء في اصطبر تاء فتحولت طاء لتكون موافقة للصاد في الإطباق .
ونبئهم أي أخبرهم أن الماء قسمة بينهم أي بين آل ثمود وبين الناقة ، لها يوم ولهم يوم ، كما قال تعالى : لها شرب ولكم شرب يوم معلوم . قال ابن [ ص: 129 ] عباس : كان يوم شربهم لا تشرب الناقة شيئا من الماء وتسقيهم لبنا وكانوا في نعيم ، وإذا كان يوم الناقة شربت الماء كله فلم تبق لهم شيئا . وإنما قال : بينهم لأن العرب إذا أخبروا عن بني آدم مع البهائم غلبوا بني آدم . وروى أبو الزبير عن جابر قال : الحجر في مغزى رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك ، قال : أيها الناس لا تسألوا في هذه الآيات ، هؤلاء قوم صالح سألوا نبيهم أن يبعث الله لهم ناقة فبعث الله عز وجل إليهم الناقة فكانت ترد من ذلك الفج فتشرب ماءهم يوم وردها ويحلبون منها مثل الذي كانوا يشربون يوم غبها وهو معنى لما نزلنا ونبئهم أن الماء قسمة بينهم . قوله تعالى :
كل شرب محتضر الشرب - بالكسر - الحظ من الماء ; وفي المثل : ( آخرها أقلها شربا ) وأصله في سقي الإبل ، لأن آخرها يرد وقد نزف الحوض . ومعنى محتضر أي يحضره من هو له ; فالناقة تحضر الماء يوم وردها ، وتغيب عنهم يوم وردهم ; قاله مقاتل . وقال مجاهد : إن ثمود يحضرون الماء يوم غبها فيشربون ، ويحضرون اللبن يوم وردها فيحتلبون .
قوله تعالى : فنادوا صاحبهم يعني بالحض على عقرها فتعاطى عقرها فعقرها ، ومعنى تعاطى تناول الفعل ; من قولهم : عطوت أي تناولت ; ومنه قول حسان :
كلتاهما حلب العصير فعاطني بزجاجة أرخاهما للمفصل
قال محمد بن إسحاق : فكمن لها في أصل شجرة على طريقها فرماها بسهم فانتظم به عضلة ساقها ، ثم شد عليها بالسيف فكشف عرقوبها ، فخرت ورغت رغاءة واحدة تحدر سقبها من بطنها ثم نحرها ، وانطلق سقبها حتى أتى صخرة في رأس جبل فرغا ثم لاذ بها ، فأتاهم صالح عليه السلام ; فلما رأى الناقة قد عقرت بكى وقال : قد انتهكتم حرمة الله فأبشروا بعذاب الله . وقد مضى في ( الأعراف ) بيان هذا المعنى . قال ابن عباس : وكان الذي عقرها أحمر أزرق أشقر أكشف أقفى . ويقال في اسمه قدار بن سالف . وقال الأفوه الأودي :أو قبله كقدار حين تابعه على الغواية أقوام فقد بادوا
إنا لنضرب بالسيوف رءوسهم ضرب القدار نقيعة القدام
فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم
إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة يريد صيحة قوله تعالى : جبريل عليه السلام ، وقد مضى في " هود " .
فكانوا كهشيم المحتظر وقرأ الحسن وقتادة " المحتظر " بفتح الظاء أرادوا الحظيرة . الباقون بالكسر أرادوا صاحب الحظيرة . وفي الصحاح : والمحتظر الذي يعمل الحظيرة . وقرئ " كهشيم المحتظر " فمن كسره جعله الفاعل ومن فتحه جعله المفعول به . ويقال للرجل القليل الخير : إنه لنكد الحظيرة . قال وأبو العالية أبو عبيد : أراه سمى أمواله حظيرة لأنه حظرها عنده ومنعها ، وهي فعيلة بمعنى مفعولة . المهدوي : من فتح الظاء من " المحتظر " فهو مصدر ، والمعنى كهشيم الاحتظار . ويجوز أن يكون " المحتظر " هو الشجر المتخذ منه الحظيرة . قال ابن عباس : المحتظر هو الرجل يجعل لغنمه حظيرة بالشجر والشوك ; فما سقط من ذلك وداسته الغنم فهو الهشيم . قال :
أثرن عجاجة كدخان نار تشب بغرقد بال هشيم
ترى جيف المطي بجانبيه كأن عظامها خشب الهشيم
ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر .