قلت : وإذا كان هذا فيكون فيه دلالة على ما يقوله الجمهور من العلماء : إن من أسكن رجلا مسكنا له إنه لا يملكه بالسكنى ، وأن له أن يخرجه إذا انقضت مدة الإسكان . وكان الشعبي يقول : إذا قال الرجل داري لك سكنى حتى تموت فهي له حياته وموته ، وإذا قال : داري هذه اسكنها حتى تموت فإنها ترجع إلى صاحبها إذا مات . ونحو من السكنى العمرى ، إلا أن الخلاف في العمرى أقوى منه في السكنى . وسيأتي الكلام في العمرى في " هود " إن شاء الله تعالى . قال الحربي : سمعت ابن الإعرابي يقول : لم يختلف العرب في أن هذه الأشياء على ملك أربابها ومنافعها لمن جعلت له العمرى والرقبى والإفقار والإخبال والمنحة والعرية والسكنى والإطراق . وهذا حجة مالك وأصحابه في أنه لا يملك شيء من العطايا إلا المنافع دون الرقاب ، وهو قول الليث بن سعد ، والقاسم بن محمد ويزيد بن قسيط .
: هو إسكانك الرجل في دار لك مدة عمرك أو عمره . ومثله والعمرى : وهو أن يقول : إن مت قبلي رجعت إلي وإن مت قبلك فهي لك ، وهي من المراقبة . والمراقبة : أن يرقب كل واحد منهما موت صاحبه ، ولذلك اختلفوا في إجازتها ومنعها ، فأجازها الرقبى أبو يوسف ، وكأنها وصية عندهم . ومنعها والشافعي مالك والكوفيون ; لأن كل واحد منهم يقصد إلى عوض لا يدري هل يحصل له ، ويتمنى كل واحد منهما موت صاحبه . وفي الباب حديثان أيضا بالإجازة والمنع ذكرهما ابن ماجه في سننه : الأول رواه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جابر بن عبد الله ففي هذا الحديث التسوية بين العمرى والرقبى في الحكم . الثاني رواه العمرى جائزة لمن أعمرها والرقبى جائزة لمن أرقبها ابن عمر قال : قال [ ص: 284 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم : . قال : والرقبى أن يقول هو للآخر : مني ومنك موتا . فقوله : ( لا رقبى ) نهي يدل على المنع ، وقوله : لا رقبى فمن أرقب شيئا فهو له حياته ومماته يدل على الجواز ، وأخرجهما أيضا من أرقب شيئا فهو له . وذكر عن النسائي ابن عباس قال : العمرى والرقبى سواء . وقال ابن المنذر : ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : . فقد صحح الحديث العمرى جائزة لمن أعمرها والرقبى جائزة لمن أرقبها ابن المنذر ، وهو حجة لمن قال بأن العمرى والرقبى سواء . وروي عن علي وبه قال الثوري وأحمد ، وأنها لا ترجع إلى الأول أبدا ، وبه قال إسحاق . وقال طاوس : من أرقب شيئا فهو سبيل الميراث .
والإفقار مأخوذ من فقار الظهر . أفقرتك ناقتي : أعرتك فقارها لتركبها . وأفقرك الصيد إذا أمكنك من فقاره حتى ترميه . ومثله الإخبال ، يقال : أخبلت فلانا إذا أعرته ناقة يركبها أو فرسا يغزو عليه ، قال زهير :
هنالك إن يستخبلوا المال يخبلوا وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا
والمنحة : العطية . والمنحة : منحة اللبن . والمنيحة : الناقة أو الشاة يعطيها الرجل آخر يحتلبها ثم يردها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : . رواه العارية مؤداة والمنحة مردودة والدين مقضي والزعيم غارم أبو أمامة ، أخرجه الترمذي وغيرهما ، وهو صحيح . والإطراق : إعارة الفحل ، استطرق فلان فلانا فحله : إذا طلبه ليضرب في إبله ، فأطرقه إياه ، ويقال : أطرقني فحلك أي أعرني فحلك ليضرب في إبلي . وطرق الفحل الناقة يطرق طروقا أي قعا عليها . وطروقة الفحل : أنثاه ، يقال : ناقة طروقة الفحل للتي بلغت أن يضربها الفحل . والدارقطني