[ ص: 72 ] سورة الليل 
مكية    . وقيل : مدنية . وهي إحدى وعشرون آية بإجماع 
بسم الله الرحمن الرحيم 
والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى إن سعيكم لشتى  
قوله تعالى : والليل إذا يغشى   أي يغطي . ولم يذكر معه مفعولا للعلم به . وقيل : يغشى النهار . وقيل : الأرض . وقيل : الخلائق . وقيل : يغشى كل شيء بظلمته . وروى سعيد  عن قتادة  قال : أول ما خلق الله النور والظلمة ، ثم ميز بينهما ، فجعل الظلمة ليلا أسود مظلما ، والنور نهارا مضيئا مبصرا   . 
والنهار إذا تجلى  أي إذا انكشف ووضح وظهر ، وبان بضوئه عن ظلمة الليل . 
وما خلق الذكر والأنثى  قال الحسن    : معناه والذي خلق الذكر والأنثى فيكون قد أقسم بنفسه - عز وجل - . وقيل : معناه وخلق الذكر والأنثى ( فما ) : مصدرية على ما تقدم . وأهل مكة   يقولون للرعد : سبحان ما سبحت له! ( فما ) على هذا بمعنى ( من ) ، وهو قول أبي عبيدة  وغيره . وقد تقدم . وقيل : المعنى وما خلق من الذكر والأنثى فتكون من مضمرة ، ويكون القسم منه بأهل طاعته ، من أنبيائه وأوليائه ، ويكون قسمه بهم تكرمة لهم وتشريفا . وقال أبو عبيدة    : وما خلق أي من خلق . وكذا قوله : والسماء وما بناها  ، ونفس وما سواها ، وما في هذه المواضع بمعنى من . وروي عن ابن مسعود  أنه كان يقرأ والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى ويسقط وما خلق   . وفي صحيح مسلم  عن علقمة  قال : قدمنا الشام ،  فأتانا أبو الدرداء ،  فقال : فيكم أحد يقرأ علي قراءة عبد الله ؟  فقلت : نعم ،   [ ص: 73 ] أنا . قال : فكيف سمعت عبد الله  يقرأ هذه الآية والليل إذا يغشى ؟ قال : سمعته يقرأ والليل إذا يغشى والذكر والأنثى قال : وأنا والله هكذا سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرؤها ، ولكن هؤلاء يريدون أن أقرأ وما خلق فلا أتابعهم   . قال أبو بكر الأنباري    : وحدثنا محمد بن يحيى المروزي  قال حدثنا محمد  قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري  قال : حدثنا إسرائيل  عن أبي إسحاق  عن عبد الرحمن بن يزيد  عن عبد الله  قال : أقرأني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إني أنا الرازق ذو القوة المتين " قال أبو بكر    : كل من هذين الحديثين مردود بخلاف الإجماع له ، وأن حمزة  وعاصما  يرويان عن  عبد الله بن مسعود  ما عليه جماعة المسلمين ، والبناء على سندين يوافقان الإجماع أولى من الأخذ بواحد يخالفه الإجماع والأمة ، وما يبنى على رواية واحد إذا حاذاه رواية جماعة تخالفه ، أخذ برواية الجماعة ، وأبطل نقل الواحد لما يجوز عليه من النسيان والإغفال . ولو صح الحديث عن  أبي الدرداء  وكان إسناده مقبولا معروفا ، ثم كان أبو بكر  وعمر  وعثمان  وعلي وسائر الصحابة - رضي الله عنهم - يخالفونه ، لكان الحكم العمل بما روته الجماعة ، ورفض ما يحكيه الواحد المنفرد ، الذي يسرع إليه من النسيان ما لا يسرع إلى الجماعة ، وجميع أهل الملة . 
وفي المراد بالذكر والأنثى قولان : أحدهما : آدم  وحواء  قاله ابن عباس  والحسن  والكلبي    . الثاني : يعني جميع الذكور والإناث من بني آدم  والبهائم ; لأن الله تعالى خلق جميعهم من ذكر وأنثى من نوعهم . وقيل : كل ذكر وأنثى من الآدميين دون البهائم لاختصاصهم بولاية الله وطاعته . 
إن سعيكم لشتى  هذا جواب القسم . والمعنى : إن عملكم لمختلف . وقال عكرمة  وسائر المفسرين : السعي : العمل فساع في فكاك نفسه ، وساع في عطبها يدل عليه قوله - عليه السلام - : الناس غاديان : فمبتاع نفسه فمعتقها ، وبائع نفسه فموبقها   . وشتى واحده شتيت مثل مريض ومرضى . وإنما قيل للمختلف شتى لتباعد ما بين بعضه وبعضه . أي إن عملكم لمتباعد بعضه من بعض ; لأن بعضه ضلالة وبعضه هدى . أي فمنكم مؤمن وبر ، وكافر وفاجر ، ومطيع وعاص . وقيل : لشتى أي لمختلف الجزاء فمنكم مثاب بالجنة ، ومعاقب بالنار . وقيل : أي لمختلف الأخلاق فمنكم راحم وقاس ، وحليم وطائش ، وجواد وبخيل وشبه ذلك . 
				
						
						
