قوله تعالى : قالوا أتتخذنا هزوا  هذا جواب منهم لموسى عليه السلام لما قال لهم : إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة  وذلك أنهم وجدوا قتيلا بين أظهرهم ، قيل : اسمه عاميل  واشتبه أمر قاتله عليهم ، ووقع بينهم خلاف ، فقالوا : نقتتل ورسول الله بين أظهرنا ، فأتوه وسألوه البيان - وذلك قبل نزول القسامة في التوراة ، فسألوا موسى  أن يدعو الله فسأل موسى  عليه السلام ربه فأمرهم بذبح بقرة ، فلما سمعوا ذلك من موسى  وليس في ظاهره جواب عما سألوه عنه واحتكموا فيه عنده ، قالوا : أتتخذنا هزؤا والهزء : اللعب والسخرية ، وقد تقدم . وقرأ الجحدري    " أيتخذنا " بالياء ، أي : قال ذلك بعضهم لبعض ، فأجابهم موسى  عليه السلام بقوله : أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين  لأن الخروج عن جواب السائل المسترشد إلى الهزء جهل ، فاستعاذ منه عليه السلام ، لأنها صفة تنتفي عن الأنبياء . والجهل نقيض العلم . فاستعاذ من الجهل ، كما جهلوا في قولهم : أتتخذنا هزؤا " لمن يخبرهم عن الله تعالى ، وظاهر هذا القول يدل على فساد اعتقاد من قاله . ولا يصح إيمان من قال لنبي قد ظهرت معجزته ، وقال : إن الله يأمرك بكذا : أتتخذنا هزؤا ، ولو قال ذلك اليوم أحد عن بعض أقوال النبي صلى الله عليه وسلم لوجب تكفيره . وذهب قوم إلى أن ذلك منهم على جهة غلظ الطبع والجفاء والمعصية ، على نحو ما قال القائل للنبي صلى الله عليه وسلم في قسمة غنائم حنين    : إن هذه لقسمة ما   [ ص: 417 ] أريد بها وجه الله   . وكما قال له الآخر : اعدل يا محمد  وفي هذا كله أدل دليل على قبح الجهل ، وأنه مفسد للدين . 
قوله تعالى : " هزوا " مفعول ثان ، ويجوز تخفيف الهمزة تجعلها بين الواو والهمزة . وجعلها حفص  واوا مفتوحة ؛ لأنها همزة مفتوحة قبلها ضمة فهي تجري على البدل ، كقوله : السفهاء ولكن . ويجوز حذف الضمة من الزاي كما تحذفها من عضد ، فتقول : هزؤا ، كما قرأ أهل الكوفة   ، وكذلك " ولم يكن له كفؤا أحد " . وحكى الأخفش  عن عيسى بن عمر  أن كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم ففيه لغتان : التخفيف والتثقيل ، نحو العسر واليسر والهزء . ومثله ما كان من الجمع على فعل ككتب وكتب ، ورسل ورسل ، وعون وعون . وأما قوله تعالى : وجعلوا له من عباده جزءا  فليس مثل هزء وكفء ؛ لأنه على فعل ، من الأصل . على ما يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى . 
				
						
						
